الاحتفال في يوم الوطن إحتفال بأنفسنا فنحن الوطن.
لم يكن الوطن إلا مكان ، لم نقدسه نحن ولم تكن له قدسية إلا بعد أن شاء الله له القدسيه فقدسه ،كيف ومتى ولماذا ؟ فهذه له جل وعلا ، له ما يشاء ويقدر ، ونحن نحمده ونشكره على ماقدر وعلى قدره لنا بأن يكون إليه انتماؤنا، وبه خلقنا ونشأنا وترعرعنا وعلى أرضه وتحت سمائه نحيا، شربنا ماؤه وأكلنا من خيراته وتنفسنا هواؤه وشرّفنا الله بخدمة الحرمين ،فلا يعتبر مكان فقط وإن كان كل مكان لله أيضا وأرض الله الواسعة قد جعلت لرسولنا صلى الله عليه وسلم مسجدا وطهورا ، وإن كانت زمانا فالزمان يتبدل في كل ثانية ولحظه، لا يمكننا إيقافه وهو زمان يمر به كل الكون وإن اختلفت مقاييسه وتوقيتاته ،إلا أن هناك أزمنة وتوقيتات لها قدسيتها أيضا وبركاتها وشعائرها وروحانيتها.
لكننا نرصد هذا اليوم (الوطني) بمقياس آخر وهو(الزمكانية) أي الزمان والمكان، في مكان ليس محدد ( لأن كل الناس ونحن أيضا نحتفل في كل أرجاء المعمورة ) ولكن الزمان محدد ، وذكرى وطنية ليس لها تقديس بمعنى التقديس اللاهوتي بالنسبة لنا لكنه يوم عظيم وله تقديره الخاص ، والبعض منا يصلي شكرا وحمداً لله ويسجد ليس للزمان وليس للمكان ولكن استشعاراً بفضل الله ومنه وكرمه علينا ، وهذا لا يعني أننا لا نقيم الاحتفالات وإظهار مشاعر الفرح ونرقص الرقصات والأهازيج الشعبية.
وأي ذكرى زمكانية كهذه لأي شعب من شعوب الأرض لابد أن يكون لها طابع خاص ، وهذا الطابع حسب ثقافة ووعي وفكر وعادات وتقاليد ذلك الشعب ، فكل يحتفي بوطنه بطريقته الخاصة ، وكذلك كل شعب من هذه الشعوب يتجزأ في ذاته فيقيم المراسم الاحتفالية بالطريقة المناسبة والملائمة لكل منطقة ومن ثم يتم التشظي للعائلات ثم للأفراد أنفسهم داخل العائلة ، وهذه حرية شخصية مكفولة لكل فرد من أبناء الوطن (سواء بالرقص أو بالصلاة ).
في يومنا الوطني نحن نحتفل بالكرامة، ونحتفل بالحرية ،و بتوحيد الوطن وبأمنه، و نحتفل بالعِلمِ والعَلمْ ،ونحتفل بالبناء، وبالتطور ،ونحتفل بالطرق، و بالنظام ، ونحتفل بالرخاء، وكما نحتفل بالماضي نحتفل بالحاضر ، لكن يتوّج هذا الاحتفال(الكرنفالي) بشيءٍ عظيم أهم مما ذكر ، ألا وهو الدين فهو توحيد الله جل جلاله ثم شكره على نعمة و الهداية لدينه وتمسكنا به ، وشكر الله على ما حدث حيث اقترن بمشيئته جل وعلا من إنجاز حققه المؤسس كان بتوفيق الله وهديه.
لا أقول هذه خاصيةٌ لنا وأكرر ما يقال كل مره عن خصوصية براغماتية دوغمائية لنتخذها انفراد وتميز وتعصب ليس أعمى فقط لكنه أعمى وجاهل .
وهنا أوضح لكم أن اليوم الوطني السعودي لا يخص السعوديين وحدهم بل يعني الكثير للعالم أجمع ، بكل دياناته وأطيافه ومعتقداته فلماذا؟
ذلك لأن المملكة العربية السعودية تشكل أهمية إقتصاديه بالغة لدى الناس ،فأي اهتزاز في أمنها واستقرارها يؤثر على الأسواق العالمية وأقصد كل الأسواق سواء كانت المالية أو الصناعية أو التجارية وحتى السياحية وأمنها وإستقرارها من عدمه يهم كل الناس الذين أصبحوا لا يحتاجون بترولها فقط بل أيضا لصناعاتها النفطية الأخرى المختلفة وبعض الخامات الأخرى ، وما حصل لأسواق النفط والعملات والمعادن خلال الأسبوع الماضي خير دليل على هذا الوزن الاقتصادي والسياسي والتأثير الذي تحدثه المملكة العربية السعودية وما تشكله من أهمية بالغه لكل العالم ، فهذه أمور أقتصادية يتأثر بها الناس جميعهم بلا استثناء، إلا أن هناك أناس يفوق عددهم المليار ونصف من المسلمين 'الذين يؤمون البيت الحرام كل يوم خمس مرات، ومنهم من حج أو اعتمر وارتبطت أحاسيسه ومشاعره بالمكان ميتافيزيقياً وروحياً، فلم ولن يفلت منه ذلك المكان ولن ينساه ، ولا ينسى تلك اللحظات التي عاشها في جنبات البيت العتيق ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، حيث شعر بأمنه وطمأنينيته ووجد راحته وارتوى من زمزمه، ويتذكر ما قُدّم له من خدمات ورعاية وما حظي به من حفاوة ،فأصبح يهرب إلى هذا المكان بذاكرته كلما شعر بوحدته أو بضيقه، هذا بالنسبة لمن حالفه الحظ وسمحت له ظروفه بالمجيء وأتى إلى هذا البلد ، أما الذي لم يأت بعد فلابد أن يحدوه الأمل ويحدّث نفسه بالمجيء إليها حيث تهفو إليها روحه .
أعزائي في كل مكان يوم توحيد المملكة العربية السعودية على يد موحدها طيب الله ثراه ، هو يوم الاحتفال العالمي بوطننا الغالي ، ونحن نقدر مشاعر الذين يحملون المشاعر الطيبه حيال هذا الوطن ويحترمون قدسيته من المسلمين ،ويرفعون أكفهم بالدعاء معنا لهذا البلد بأن يحفظ الله أمنه وأمانه وقادته وشعبه .
عبدالرحمن عون