الحمدلله الذي خلق الإنسان وكرمه على سائر خلقه ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد . فإن الحديث عن تجديد الخطاب الديني وترسيخه أمر يفرضه علينا الواقع الذي نعيشه اليوم وذلك بتفشي ظاهرة الغلو والتطرف والإرهاب باسم الدين مع أن الديانات لم تكن يوما من الأيام إلا بيتا يدخل فيه من أراد الأمن والأمان ، وقبل الحديث عن التجديد ينبغي علينا أن نبين العلاقة بصفة خاصة بين المسلم وغير المسلم في ضوء القرآن الكريم ، أولا: الأصل أن الهدف من رسالة الإسلام هو الرحمة وتحقيق الخير للبشرية جمعاء، بل لكل المخلوقات ((وما أرسلناك إلارحمة للعالمين )) وقدبين لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أن هذه الرحمة ليست رحمة أحدنا بصاحبه ، بل للناس كافة ، كما روي عنه صلى الله عليه وسلم (( من لا يرحم لا يُرحم))وكما قال أيضا عليه الصلاة والسلام (( الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحمواأهل الأرض يرحمكم من في السماء)) والملاحظ أن الأمر بالرحمة يرد على إطلاقه دون قصرها على المسلمين وحدهم ، فليس المسلمون وحدهم هم أهل الأرض. ثانيا: إن من ثمار هذه الرحمة ومحبة الخير للبشر ودعوتهم للإستجابة لله وللرسول أي الإستجابة لما يحييهم ويحقق لهم سعادة الدارين ، كيف يمكنك أن تدعو إنسانا وأنت تحقد عليه ؟ وأنت كاره له؟ بل تخطط لحربه؟ هل يمكن أن تدعو في هذه الحالة بالحكمة والموعظة الحسنة . ثالثا : إن المصطلح الإسلامي لنشر وسالم الإسلام هو (الدعوة) ومن حقّ المدعو أن يقبل هذه الدعوة أو يرفضها ، لهذا يؤكد القرآن الكريم وتؤكد السنة النبوية على رفض الإكراه في الدين كوسيلة لتبليغ رسالة الإسلام ، فالدعوة لاتكون الا بالحسنى ولا يدخل الإكراه في مجال الحكمة أو الموعظة الحسنة أو الجدل بالتي هي أحسن . رابعا: إنّ رفض قبول الدعوة لم يرد بشأنها عقوبة دنيوية ((فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حَفِيظًا إن عليك إلا البلاغ)) بل إن القرآن الكريم يوضح أن التعددية في المجتمعات الإنسانية، بما في ذلك التعددية الدينية أمر وارد وأنه ليس من حق المسلمين ولا من واجبهم القضاء على هذه التعددية ، يقول الله تعالى ولوشاء ربك لآمن مَن في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )) . خامسا: إنه بالرغم من أن الرابطة العقدية والأخوة الإيمانية هي أسمى الروابط ، إلا أن هناك رابطة إنسانية أخرى ، وأخوة بشرية تسع الناس جميعا مسلمهم وغير مسلمهم . ويلاحظ كثيرا من الآيات القرآنية تبدأبقوله تعالى ((ياأيهاالناس اتقواربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منه زوجها )) وقوله تعلى (( يا أيها الناس أنا خلقناكم من دكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا )) . نبذ التعصب الديني بالتأكيد على وحدة الرسالة، وقبول الأنبياء جميعا ، والإيمان بهم وبالوحي الذي نزل عليهم فليس هناك مبررا لحروب دينية يتقاتل فيها أتباع نبي ضد اتباع نبي ((لانفرق بين أحد من رسله )) والقرآن يدعو أهل الكتاب بالذات إلى كلمة سواء بيننا وبينهم(( الا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بَعضُنَا بعصا أربابا من دون الله )) وما ذَالو تولوا؟ لم تقل الآية فقاتلوهم أواقتلوهم أو عاملوهم بالغلظة والقسوة إنما تقول (( فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)). سابعا:تكريم لمجرد أنهم بشر لقوله تعالى ((ولقدكرمنا بني آدم)) وموضع التكريم في هذه الآية هم بني آدم المسلم وغير المسلم، ومن مظاهر هذاالتكريم حرمة الدماء والأعراض والأموال (( من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما احيا الناس جميعا )). والنفس المصونة هنا هي النفس البشرية على صفة العموم وليست قاصرة على نفس الانسان المؤمن وهي نفس اللفظة التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم حين وقف على جنازة يهودي وحين قيل له انها جنازة يهودي ردَّ بقوله : أليست نفسا؟ .ثامنا: العدل الشامل مع الجميع بما في ذلك غير المسلم بل ان القران يدعو إلى العدل حتى مع من يخالفك (( ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ، واتقواالله إن الله خبير بما تعملون )) وليس من العدل إساءة معاملة غير المسلمين بل ليس من العدل الرد على إحساسهم بغير الاحسان (( هل جزاء الاحسان الا الإحسان )). فمن خلال هذه الآيات القرآنية والاحاديث النبوية تبين لنا موقف ألأسلام الشامخ مع غيره من الأديان المختلفة من حيث العلاقة المتينة التي تربط بين معتنقي الأديان ، وإذا وجد في المجتمع صنف لا يؤمنون بالحوار والتعاون المشترك بين المجتمعات المختلفة وجعلوا الارهاب ذريعة باسم الدين للوصول إلى إ شباع غرائزهم وشهواتهم النفسية فإن دينن الحنيف يوجه إليهم رسالة إنذار لهم من أنهم بعيدون عن محبة الله ومن كان بعيدا عن محبة الله فقد خسر في الدنيا والآخرة (( ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)). ، ولذا نجد أن من أفضل السبل لمكافحة الإرهاب والتطرف والغُلو العودة إلى فهم نصوص الكتاب والسنة فهمًا صحيحا عميقا بعيدا عن الغلظة والقسوة وذلك من خلال تجديد خطاب ديني سليم يتماشى مع احترام الإنسانية وطبقات المجتمع ومعتقداتهم المختلفة ، ولا يتم ذلك الا من كان متسلحا بسلاح العلم والمعرفة لقوله تعالى ((ولا تقف ماليس لك به علم)). وقول رسوله صلى الله عليه وسلم ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين . وفقني الله وإياكم لما فيه الخير .
إمام وخطيب المركز الثقافي الإسلامي بدرانسي شمال باريس في فرنسا