هكذا كنت اسمعها من الوالدة "فاطمة المَغرَبية" جارتنا رحمها الله عندما كنا نتحلق حول فانوسها للمذاكرة وحل واجبات المدرسة مساء..
كنت اعرف انها تصف الحروف الابجدية لكني لم اكن افهم ماذا تقصد بـكلمة "لاشعلة" واعرف انها هي لا تجيد الكتابة لكنها بارعة في قراءة الكلمات والجمل فكانت ملاذي لفك شفرة كتاب القراءة خاصة وان والدي كان حينها في دورة في القاهرة واقرب متعلمين يمكنهما المساعدة هما خالي علي وابن خالي محمد عبده وبين "دارتنا" و"دارتهم" طول مسافة وظلام ليل وفي عرض الطريق مخاطر واهوال كلبة أحمد علي الشبٌقة و"جمل علي امقبول" الهائج ,والتفكير في الذهاب حتى دارة الخلاوية يعني الرعب بكل صوره في خيالات طفل!!
لذ فليس ثمة خيارات متاحة سوى "المغربية" او مواجهة خيزرانة درهم رضوان صباحا.
لست وحدي من يطلب رضاها ويلبي طلباتها لمجرد ان تشير باصبعها ويغمره السرور بل ويشعر بالزهو عندما ننجز "نفعتها" فتثني وتشكر بــكلمتها المعتادة "بيضان يا ولدي ماقصرت" أي بيض الله وجهك احسنت صنعا فالجميع يتسابق عليه من اجل حرف اوكلمة نتعلمها منها وكل هذا الحب والتقدير ليس لسنها ولجيرتها وحسب بل ولانها تؤدي دور المعلم ساعة قضاء فروض الدرس في المنزل فاكتسبت شيئا مما كان يحضى به المعلم من حب واحترام ومهابة بين مختلف فئات مجتمع القرية في تلك الحقبة ..
اليوم .. أكتب في خانة بحث "قوقل": (مكانة المعلم) ليعرض لك عناوين قصص وحوادث يندى لها الجبين تروي معاناة المعلم وما يتعرض له من ضغوط وحالة انهيار في بورصة مجتمعنا حتى بت اخشى أن العدوى قد تنتقل او انتقلت بالفعل إلى أوساط التعليم ذاته سواء في اطار السعي نحو "الخلاص من الحصة" الذي اضحى حلم من سلقته سنوات التعليم او في مضمار التنافس من اجل تحقيق المكاسب الشخصية ونيل المناصب العلوية اوعلى شكل من اشكال التسلط الاداري..
يحدث احيانا ان "قرارات خاطئة تصدر من رؤساء ضد مرؤوسيهم، تتمحور حول ما يعرف بـ "الرهاب الإداري" . وهذا المفهوم من التسلط, هو نمط إداري , يساعد - بلا شك - على انتشار الظواهر الإدارية السلبية , ولعل من أبرزها : تأجيج روح الصراع بين أطراف العمل, - وبالتالي - انحرافه عن الهدف الذي من أجله نشأ, مع أن الحياة قائمة على مواجهة التحديات, التي تقف في وجه التقدم"
سوء الفهم لمعنى الإدارة، أحد الأسباب الرئيسة في تفشي هذه الظاهرة إضافة إلى فقدان العديد من المهارات, والسمات , والخبرات, التي يحتاجها المدير وبالرجوع الى جذور المشكلة سنكتشف ان غياب مبدا "المفاضلة" لدى السلطة العليا وتبني سياسة "الانتقاء" دون معايير واضحة و"المحسوبية" و"توريث الكراسي" من اهم اسباب ظهور تلك الانماط ــ الرهاب والتسلط الاداري ــ وبالتالي تفشي الصراعات والتوترات في دوائر العمل التابعة لها..
لااود ان اسهب كثيرا فالقضية طرقها الكثيرون قبلي بتفصيل وبيان وكذلك حتى لا افسد عليكم متعة استقبال عام هجري وعلى الوسط التعليم الاحتفاء بعام دراسي جديد لكن من الاهمية بمكان تقييم الوضع قبل الانطلاق في رحلة جديدة اكثر راحة وامانا ومتعة ..
بالمناسبة عرفت فيما بعد ان "المغربية" إنما كانت تقول : الألف لاشيء عليه أي لا نقاط له والباء تحته نقطة.