ربما ان قضية السفير الفرنسي المعتمد في نيامي عاصمة النيجر قصة غريبة لن تتكرر.
فبحسب بنود اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961م والتي تنظم الإجراءات و قواعد العلاقات الدبلوماسية بين الدول وتحدد الحصانات والامتيازات المننوحة للدبلوماسيين تقر بان الدولة المستضيفة هي من تعتمد السفراء والبعثات الدبلوماسية الاجنبية وهي نفسها صاحبة الحق في الطلب منهم مغادرة البلاد أو اعتبارهم بحسب المصطلح المالوف(persona non grata) ,أي شخص غير مرغوب به وهنا عليه ان يمنح مهلة قصيرة لمغادرة التراب الوطني.
اما سعادة السفير الفرنسي في النيجر رغم الطلب منه مغادرة البلد ونزع الصفة الدبلوماسية عنه لكنه يرفض الامتثال لأوامر السلطة الحاكمة بحجة أن القائمين على الحكم غير شرعيين وبالتالي هو لا يعترف بهم وقرر البقاء مختبئا فى مبنى السفارة الفرنسية ا الكبير في العاصمة نيامي والذي يعد المبنى الوحيد لفرنسا مع القاعدة الفرنسية في هذا البلد الذي اسميتهم فقراء اليورانيوم حنى ان الشركة الفرنسية المحتكرة لاستخراج وتصدير اليورانيوم لا تعطي سوى ١٠% الى حكومة النيجر منذ ستينات القرن الماضي بينما تستمر في نهب ثروة النيجر وتستكثر على البلاد ان تشيد لها مقرا لائقا بها واكتفت بانشاء مقرا لها من الكرافانات الخشبية.
سفير فرنسا العاصي في مقره قدم سابقة لن تتكرر في ميدان الدبلوماسية عندما نصب نفسه حكما لمنح الشرعية فمتى كانت سفارات الدول تمنح الشرعية للسلطات الحاكمة في بلدانها فلو انه نصرف وفقا لقواعد القانون الدولي كان عليه ان يغادر البلد ويققل سفارته ويقول لا نعترف بهذا الحكم!!
لكنها عقلية المستعمر للاسف لن تتغير رغم تغير الأزمنة وتبدأ الأحوال .
منذ الخليقة كان الملك يؤخذ كما قال ابن خلدون في مقدمته الشهيرة اما بالوراثة أو الانتخاب أو التغلب وهذه الحقيقة لا تريد فرنسا أن تصدقها فاسم فرنسا في افريقيا بات يشكل حساسية وقرف عند الافارقة فليس مصادفة أن فرنسا تطرد على التوالي من مالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري والنيجر وامس طردت من الغابون.
من السوابق الدبلوماسية مثال ان احد سفراء امريكا الجنوبية في واشنطن في الثمانينات لم يمتثل لطلب شرطي مرور بالتوقف مما أدخله في احتكاك لفظي وهنا قامت زوجة السفير بالنزول من السيارة وصفعت الشرطي فقامت الخارجية الامريكية بامهاله فقط ٦ ساعات للمغادرة مطرودا وغير مرغوب به.
وفي بغداد اتذكر انه في احد الليالي اتصل ضابط مركز شرطة المسبح منطقة في بغداد بمقر وزارة لخارجية ليخبرهم بان سفير اسبانيا موجود لديه والدم يسيل من وجهه بعد شجار له مع زوجته.
وتم التوجيه بتقديم كل الاحترام والعناية به ومع ذلك في اليوم التالي طلب السفير البروفسور في التاريخ والاثار من حكومته ان تعفيه من منصبه خجلا.
ولكن من اين ياتي الخجل لفرنسا الني تتعامل مع الافلرقة بعقلية الرعايا والاستعمار والاهانة.
لا اظن ان فرنسا تستطيع ايقاف مسلسل استبعادها من افريقيا نتيجة سياساتها البغيضة والبخيلة على تلك البلدان التي نهبتها وافقرتها.
حسنا فعل حكام النيجر عندما نزعوا عن سفيرها الصفة الدبلوماسية وجعلته يختبيء في مقر بعثة اجنبية تعتبر ارضها جزء من سيادة فرنسا بحسب الحصانات الدبلوماسية للبعثات ولكنها وضعت مفرزة من الشرطة النيجرية تنتظره عند أبواب السفارة حينما يخرج لتعتقله وترحله بصفة مهاجر فرنسي مخالف لقوانين البلاد... اية مهانة!!!
كاتب واكاديمي من العراق استاذ القانون والنظم السياسية في جامعة الاخوين في أفران المغربية