نقل المعلومات والأخبار فن من الفنون العظيمة التي تربط الحاضر بالماضي للتخطيط لبناء مستقبل زاهر .
وقديمًا اهتم الناس بسرد القصص والحكايات في مجالسهم ، وجاء الإسلام بالمنهج العلمي القائم على التحقق والتثبت دون زيادة او نقصان ،وذلك حفاظًا على الإنسانية وكرامتها .
ولا توجد أمة من الأمم اهتمت بالبحث العلمي بسلوك مسلك التحقق والتثبت مثل الأمة الاسلامية منذ نزول الوحي على رسولنا صلى الله عليه وسلم بقوله ( إقرأ باسم ربك الذي خلق ….) .
وهذا الدين الذي حمل الينا رسالة السلام الذي من دعائمه المحافظة على اللسان عن النطق بما ليس للإنسان علم ، فمن هنا قال الله ( ولا تقف ماليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولًا).
ويأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيبين لنا أن من مقومات الإيمان المحافظة على اللسان (من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرًا أو ليصمت ).
وأعظم أمر في التثبت والتحقق يتجلى ذلك في جمع القران الكريم وذلك ان الامر يتعلق بكلام الله المنزل على رسول الله صلى الله فكان الواجب أن يشهد بذلك الصحابة من كبارهم إلى صغارهم .
وكذلك أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قبولها اشترط العلماء شروطا محددة لابد منها حتى يكون الحديث صحيحًا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
كل هذه الأمر تؤكد لنا مكانة التحقق والتثبت في نقل العلم عند المسلمين ، وعلى هذا الأساس سار علماء المسلمين في مصنفاتهم المختلفة وفي مؤلفاتهم المتنوعة يلتزمون بالمصداقية في الكتابة لأنهم كانوا يؤمنون بالمسؤولية أمام الله تعالى فيما ينشرونه بين الناس .
وفي هذه الأيام مع التقدم العلمي ولكننا نجد أن البحث العلمي يتهاون الناس في شأنها ، وكأن أمره ليس أمرًا مهما في حياتنا ، لذا انتشرت الروايات المكذوبة ، والكتب الغير صحيحة ، ولاسيما عند المسلمين .
وعندما يريد المسلمون اعادة مجدهم المفقود لابد من اعادة النظر في مجال البحث العلمي باعتباره ركن اساسي في تقديم المعلومات والاخبار أمام القارئ، وخاصة في هذه الأيام التي انتشرت ظاهرة التطرف والارهاب ، تلك الظاهرة التي شوهت سمعة ديننا الاسلامي الحنيف من خلال المتطفلين الذين يتطفلون على موائد العلماء ، ولم يتمكنوا من التاهيل العلمي الممنهج بل تصفحوا بعض كتيبات ، وخرجوا اليوم يحللون دماء الأبرياء بسفكها ظلمًا وعدوانًا باسم الإسلام .
وللباحث أن ينظر إلى نفسه أنه سبقه غيره في العلم فيسعى دائما الحصول على أقرب معلومات تتعلق بالمادة العلمية التي يريد البحث عنها ، أو الشخصية التي يريد الحديث حولها .
ويجب على الباحث التحلي بالموضوعية والابتعاد عن حب الذات أو التحيز العلمي ، وأن لايسمح الباحث العلمي لأهوائه وعواطفه أن تتدخل في خطوات البحث العلمي.
وبعد اطلاعي على جهود الباحثين في جزرالقمر استطعت أن أجد من بينهم من تتفوق عليهم رواية ودراية في مجال البحث العلمي والنشر التحقيقي وذلك بسلوكها والتزامها بآداب وأخلاقيات الباحث ، وهي الأميرة ثويبة بنت سيد عمر المسيلي العلوي سفيرة جزرالقمر سابقًا لدى اليونسكو من خلال كتابيها ، الاول عن جدها السلطان سيد علي المسيلي العلوي آخر سلاطين جزرالقمر ، وذلك تحت عنوان ( حياة السلطان سيد علي آخر سلاطين جزرالقمر) كانت مهمتها ارادة إبراز شخصية سلطان كتب البعض عنها بمعلومات غير دقيقة ، معظمها تم نقلها من المعارضين للسلطان الذين زيفوا التاريخ ، وأخرى من الكذابين المفترين ، فاستطاعت إثبات شخصية السلطان بعودتها المراجع والمصادر الاقرب إليه عهدًا ثم الوثائق بأنواعها الموجودة داخل البيت ، مادامت هي الحفيدة للسلطان ، وبعده إثبات شخصيتها كباحثة وفية في عملها بمهنية عالية.
والكتاب الثاني عن ( مؤامرات في جزرالقمر )وهو يعد الاول من نوعه منذ استقلال جزرالقمر ١٩٧٥ الى يومنا هذا بمنهج تحقيقي حول أسباب ضعف وركود جزرالقمر منذ الاستقلال إلى يومنا هذا ثقافيًا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا .
ولكنها مادامت قدمت للقارئ الكريم بلدها جزرالقمر تاريخيا ، انطلقت -حفظها الله-إلى إعداد كتاب قيم عن الواقع الذي نعيشه اليوم ، وهو الواقع المؤلم مع ظاهرة التطرف والارهاب ، تلك الظاهرة التي دمرت العالم ، وصار الاخر ينظر إلى الإسلام والمسلمين نظرة الكراهية والاحتقار ، والإسلام بريء من ذلك ، لانه دين الرحمة ، فاختارت عنوان الكتاب بأن يكون ( الإرهاب في قلب المحيط الهندي ) .
فهي الباحثة حقا والمختصة بالتاريخ الافريقي ولاسيما الشؤون الاسلامية ، فكانت جولتها في البحث بمراجعة طرق مكافحة الارهاب والتطرف التي اتخذتها المملكة العربية السعودية ونجحت في ذلك لإبرازها في كتابها مع إثبات شخصيتها في رؤيتها لأنها من جزرالقمر. ، وهي من شرق أفريقيا التي تعاني اليوم من الارهاب التكفيري الممتد من تنظيم القاعدة إضافة إلى الارهاب الصفوي الايراني الذي يحيط دول شرق افريقيا
لقد استطاعت أن تقدم للمكتبة العربية الاسلامية نموذجًا للباحثة المسلمة المنتمية إلى جزرالقمر ، والتي تم تخرجها من مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية والسياسية في باريس .
بقلم الشيخ :نورالدين محمدطويل
إمام وخطيب المركز الثقافي الاسلامي بمدينة درانسي شمال باريس في فرنسا
1 comment
1 ping
Amed Hsany
17/08/2023 at 9:59 م[3] Link to this comment
سلمت يمناك وقلمك فضيلة الإمام/ نور الدين
استطاعت تقديم رسالة واضحة أمام المجتمع الدولي الذي بذل جهوده لأجل نهوض جزر القمر وبقاء استقرارها الأمني والاقتصادي والسياسي والثقافي، والدول العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ساهمت في التعاون مع جزر القمر قبل الاستقلال وبعد الاستقلال، وانضمامها الى أسرة جامعة الدول العربية ١٩٩٣ كان ذلك الأمر في توكيد اهتمام الأمة العربية بشقيقتها جزرالقمر التي هي جزء من مكونات الحضارة العربية الاسلامية.