هناك مفاهيم تمَّ زرعها في فكر ومعتقد المسلم عندما يريد هذا المسلم أن يقرأ تفسير آية من آيات كتاب الله المجيد ، وغالباً ماتكون هذه التفاسير تعطي توجهاً إلى فكرة واحدة دون تأمل وتفكر في معنى الآية وأيضاً دون الرجوع إلى الآيات الأخرى ذات الصلة بذلك الموضوع ( لأنَّ القرآن في الغالب يفسر بعضه بعضاً ) أو يشير إلى مواضيع شتى يقوم بعض المفسرين بحصرها في فكرة واحدة ، وهكذا يتم تقييد الفكر بهذا الرأي لصاحب التفسير والغالب منّا لا يُتعب نفسه في البحث والتقصي لعله يجد تفسيراً آخر ودليلاً جديد ومن كتاب الله .
وقد قرأتُ مقولة تقول : "لا راحة للمؤمن إلا بلقاء الله " ولأنَّ المفهوم العام الذي تمَّ زرعه بكلمة لقاء الله أن يكون هذا اللقاء في الآخرة بعد الموت ، ثمَّ نأخذ هذه الآية : (ﻓﻤﻦ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﺟﻮ ﻟﻘﺎﺀ ﺭﺑﻪ فليعمل عملاً ﺻﺎﻟﺤﺎً ولا يشرك بعباده ربه أحدا )
وذهب أهل التفسير إلى أنَّ لقاء الله لا يكون إلا بعد الموت فقط ، هكذا تمَّ زرع هذه الفكرة في التفكير الجمعي لعموم المتعلمين وأهل التخصص ، ولكن هناك آيات كثيرة تلغي هذا المفهوم الخاطئ المقيّد .
ولو تدبرنّا آيات أخرى عن ( لقاء الله تعالى ) فإننا نجد خلاف ما قالوا واعتقدوا فإنَّ الله تعالى قال في كتابه العزيز : (وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ.... ) وهذا لقاء وسيدنا موسى حي يرزق ، ثم قول الله تعالى : ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) أوليس القرب لقاء ؟؟؟ ثمَّ قال ( نحن ) ولم يقل : والله أقرب إليه ... لأنَّ نحن هي السر الإلهي الموجود في الخلائق بشكل عام ، ثمَّ اختار حبل الوريد ومن المعلوم بأنَّ حبل الوريد هو مجرى الدم الذي يتوقف جريانه بخروج الروح من الجسد .
وأمَّا الأنواع الأخرى للقاء الله تعالى في الدنيا كثيرة جداً فقيام الليل لقاء مع الرحمّن والصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير ، وزيارة المريض لقاء مع الله ألم يذكر الحديث القدسي : " إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يقولُ يَومَ القِيامَةِ: يا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أعُودُكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قالَ: يا رَبِّ وكيفَ أُطْعِمُكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّه اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو أطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلكَ عِندِي، يا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أسْقِيكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: اسْتَسْقاكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أما إنَّكَ لو سَقَيْتَهُ وجَدْتَ ذلكَ عِندِي " .
وفي أول الحديث ما يهمنا أكثر هو قوله : " أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ " وهذا لقاء الله للمريض وليس بعد الموت والآيات كثيرة جداً تفيد لقاء الحق جلَّ جلاله .....
بقلم 🖋️ البتول جمال التركي