( آيه وعبرة )
إنَّ وجود القصص في القرآن الكريم هي للعبرة والحكمة والدلالة على نواميس وقوانين الله تعالى في خلقه وكذلك ليبيّنها للناس ، وقد وقفتُ زمناً طويلاً على التدبر والتأمل في آيات قصة النبي موسى عليه السلام مع العبد الصالح ، ومما فتح الله عليَّ في فهم المراد والمعنى من سرد الآيات لهذه القصة وكيف أن : ( عبداً من عبادنا ) يكون أعلم من النبي موسى وهو من أولي العزم واستنكار موسى لأفعاله وهي بالظاهر منكرة ولسنا في صدد سرد تفاصيل القصة إنما في صدد العبرة التي وصلتنا من مجمل القصة على غرابتها وتناقضاتها ، فنجد بأنَّ الله تعالى يريد أن يقول لنا في هذه القصة بأنَّ أقداره في خلقه وإن كان ظاهرها منكراً ففي باطنها الخير الكثير فبقاء سفينة مخروقة خير من فقدانها وقتل الغلام قبل أن يبلغ خشية على والديه من الكفر فأنقذ الله تعالى الغلام ووالديه بالقتل فكان في قتله خيراً له ولوالديه فالغلام لم يبلغ الحلم فهو مع والديه بالجنة ، وأما الجدار فالولدان يتيمان في بلد أهلها لئام فكيف يأمن اليتيمين على كنزهما في بلد أهلها لئام رفضوا إطعام النبي موسى والعبد الصالح ، فحفظ الله كنز اليتيمين لصلاح أبوهما وإكراماً له ، فهل عرفنا مراد الله تعالى في كونه وقد يرسل الله تعالى عاصفة رملية على بلد ما ويتضايق أهلها ولا يعلمون الحكمة والمصلحة التي تكون من وراء هذه العاصفة فقد تكون مصيبة أعظم من العاصفة فنجاهم الله بتلك العاصفة والأمثلة كثيرة ، ولكي لا يعترض من يدعي الإيمان على حكم الله في خلقه لأنَّ اعتراضه هو ضعف إيمان وضعف علم بالله لأنَّ من أركان الإيمان وأعلاها : الإيمان بقضاء الله خيره وشره ، وإذا أصابت المؤمن الصادق مصيبة فإنه يحولها إلى الله تعالى بقوله : لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم ... تحويل تسليم وليس تحويل اعتراض ويكون باعتقاده ويقينه بأنها مهما كان ظاهرها شراً فإنَّ وراءها خيراً كثيراً .