"لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين" ياترى هل كانت وظيفة هذا الرجل قطع الأشجار؟ أو هل أمره أحد بذلك؟ أم أنها روح المبادرة التي تكمن في داخله لفعل الخير؟. تذكرت هذا الحديث الأيام الفائتة وأنا أنتظر اتصالاً أو رسالة من المستشفى لتحديد موعد طبي أنتظره منذ مدة طويلة، وقام أحد الأطباء وأفخر بأن أسجل اسمه هنا وهو الدكتور عبدالرحمن العبيد بالإتصال بي ولم أتمكن من الرد، وعند هذه النقطة ينتهي عمله المتحتم عليه. فعاد يحاول الاتصال بي من جواله الشخصي خشية أن يفوتني هذا الموعد -من غير معرفة سابقة- ليبدأ خطاً آخر من العمل الذي لايدرس أكاديمياً ولا يستطيع أكبر العلماء وضع منهجاً تعليمياً له.
هناك قرارات تتخذ على أساس المبادئ، وتخرج من نظرة مختلفة جذرياً عن قاموس نظرات المتشائمين. مثل هؤلاء المبادرون نوادراً ليس لهم زمان ولا مكان معين لتحديد هويتهم، وعلامتهم الفارقة أنهم تعدوا حد واجباتهم إلى مفهوم أكثر رقياً وهو المبادرة إلى كل مافيه نفع للناس، من غير انتظار لأي مردود مادي أو معنوي، يصنعون الأمل ويرفعون من جودة الحياة، حريصون على تقاسم الآخرين معهم السعادة، واثقون من أنفسهم وراضون عن ذاتهم، يدركون أن الحياة أجمل بكثير من أن تضيع في توافه الأمور، فحياتهم يعشيونها بالعقلية المتسعة للجميع، ويرون الفرص في وسط المشاكل، وأقل مايمكن أن يقدموه هو مساعدة الناس في الوصول لحل مشاكلهم.
قد يتبادر إلى أذهاننا سؤالاً مهماً وهو كيف يصنعون؟ فلا شك أنهم نتاج لخلطة أسرية رائعة جمعت في وعاء مزيجاً من عوامل عديدة أثرت في تكوين هذه النماذج بشكل مشرف، وأكثرها أهمية التربية السليمة التي غرست في قلوبهم تلك المبادئ، واختيار المجتمع الإيجابي للتنشئة، فأخرجت لنا مبدعون وثابون إلى الصدارة وتشييد الحضارات.
مثل هؤلاء هم من تبحث عنهم حكومتنا الرشيدة في تحقيق رؤيتها الغالية، فهي ترى أن أصحاب ذلك الفكر هم الأجدر بتولي مسؤليات مناصبها القيادية، وتسعى من خلالهم لإثبات أن الثقافة الأرقى هي التي يجب أن تسود، وتقدم نماذج مضيئة لرقي الانسانية. فهل تعتقدون أن أحداً من هؤلاء من الممكن أن يسيء في عمله؟ أو يظلم؟ أو يتحايل؟ بل هم ليسوا بحاجة لمراقبة وكثير من التوجيهات فدافعهم الذاتي كفيل بأن يضعنا في مصاف الأمم المتقدمة.
apoyazn@hotmail.com