جاءَ في (صِفر)(التّخمين) في ( إلحاحهِ الثالث والعشرين) أنني بعد أن متّ بعد عمر طويل ، بُعثتُ في كوكب غير كوكبنا هذا وإذا بي في ريعان شبابي زاد طولي النصف وتساقط من وزني النصف وزدت وسامة وابتسامة وهيامة. (كنت أمشي وحيدًا وظلّي وحيدًا فألقي عليه ويُلقي عليّ السلام ) في مدينة شوارعها غير الشوارع التي عرفت
وبناياتها لايحيط بها وصف
وبشر يختلفون عني تماماً
لا سيارات في الشوارع
ولا طائرات في الجو
من كان مشواره قريباً سار على قدمين عجيبتين
ومن كان مشواره بعيداً طار كما تطير العصافير لكن دون أجنحة
وتأتيهم متطلباتهم بإشارة رمش أو إيماءة يد .
قُبض عليّ كما يقبض على المجرمين
وأُخذت إلى السلطان
لم أكن بحاجة إلى مترجم وجدت كلامهم الغريب يصلني مترجماً مفهوما واضحاً وكلامي يستوعبونه في ثوان وبتقنية عالية غير مرئية.
سألت:
ياقوم : نحن في أيّ مكان وفي أي عام؟! أجابني متحدث السلطان
أنت في كوكب (بكش ماشي) في الشمال الغربي من مجرّة (لَشلَشة) وهذا عام (7777777) قبل (الميعاد)
تنهّدتُ وقلت :
" يا ليتني ما متّ قبل اليوم حتى لا أرى ماقد رأيت "
باغتني السلطان بسؤال سريع لم يكن في الحسبان :
هل توافق على حمل حقيبة التعليم في كوكبنا ؟
فقد قرأنا في سيرتك أن لك اهتمامًا بالتعليم وكتبت عنه كثيراً . !!
صمتّ طويلا وقلت :
بشرطين
(نكزني) مرافقي نكزة كادت تخرج كليتي ولم أنبس بِبنت شفة
ضحك السلطان وقال : هات شرطيك
قلت : تعطيني حريتي المطلقة ،
وميزانية مفتوحة.
قال : ذلك لك
نادى على رئيس مجلس وزرائه وقال له:
أعطوه حقيبة التعليم
سلّمني الرئيس حقيبةً أنيقة رشيقة حملتها وغادرت مع المرافق الذي أخذني إلى مقر إقامتي الجديد الذي وجدت فيه (مالا عينٌ سمعت ولا أذنٌ رأت) متّعت ناظري بما حولي من جمال وفتنة (وهزني الشوق) ورفعت عقيرتي : ( ياشيخ جار الله وش حدك على نجد الأقصى… ) وإذا بكل شيء حولي يبكي إلا (الجن والإنس)
ثم فتحت الحقيبة ولم أجد فيها ورقة ولا قلماً ووجدتها عبارة عن جيوب صغيرة ملئ كل جيب بأجسام غريبة تشبه شرائج الجوال الصغيرة تركتها جانباً وشرعت في التفكير في خطتي ناديت بالأوراق والأقلام فجاءتني الجارية الحسناء وهي تترنم ببيت شعر :
يامن بجهلك حارت الأفهام
ما عندنا ورقٌ ولا أقلامُ.
وماهي إلا ثوان وإذا بأوراق وأقلام إلكترونية تكتب الأقلام مايجول في بالك وتحفظ الأوراق وتنسخ ماكتب عليها وتنطقه أيضا.
عدت إلى السلطان بعد (شعرين) ومعي خطّتي العظيمة وبدأت باسم الله:
يا مولاي السلطان سأعرض لك ما عملت باختصار.
ستكون البداية بالمعلم وسنبدأ معه من الجامعات .
ولكن يجب أن يكون كل من في جامعتنا من الكوادر العالية جداً
ضحك السلطان ولم يهتز مني شعرة بل واصلت بثبات ونبات.
قلت : نعم يا مولاي السلطان لاتضحك..
من هذا العام سنفتح في الجامعات تخصصاتنا التي سترتقي بتعليمنا وسنرسم لها مناهج ونعد لها مقررات ونختار لها من الكفاءات التعليمية والتدريبية من يصنع لنا جيل معلمين يقودون كوكبنا إلى أعلى مراتب الرقي .
وسنجعل القبول فيها لايقل عن 95%
ضحك الجميع هذه المرة
وقال : السلطان بالله من سيلتفت إليك ولأقسامك التربوية التعليمية يا(مخثرق) ؟
قلت : انتظر يا مولاي
ألم تكرمني بالموافقة على الميزانية التى أريد ، وتترك لي حرية التصرف ؟!
قال :نعم .
قلت مع الإعلان عن فتح هذه الأقسام وعلى مدار عامنا هذا سأسخّر كل وسائل الإعلام في الكوكب لإشغال جميع سكان الكوكب بخطتي ولما سامنح المعلم من ميزات وحوافز تجعل كل طالب يحلم أن يكون معلماً :
أولاً / سيكون راتب المعلم أعلى راتب في كوكبنا .
ثانياً/ سيكون لكل معلم بطاقة خاصة تجعل له الأولوية والأفضلية في أي جهة أو إدارة أو مناسبة ولا يتقدمه أحد لأن الجميع من صنعه.
ثالثاً/سيحمل كل معلم بطاقة حصانة أكثر من القضاة
رابعاً/ سيكون لجميع المعلمين لباسهم الخاص الذي يجعل الجميع ينظر إليه بمهابة واحترام
أكبر من الزي العسكري .
خامساً/لا يزيد نصاب المعلم في يومه عن حصتين أوثلاث
وعدد طلابة عن لايزيد عن
10 في المرحلة الابتدائية
و 15 في المرحلة التوسطة
و 20 في المرحلة الثانوية.
سادساً/لايكلف المعلم بأي عمل آخر غير تخصصه
سابعاً/يكون نصيبه من المحفزات أكبر من غيره مابين سكن وتأمين طبي وإجازات وما شابه.
وأمام كل بند من هذه المحفزات يا مولاي شروط للحصول عليها وجزاءات (يتدرب) عليها المعلم قبل أن يتخرج من الجامعة.
قال : السلطان بسخط ولكن كثير من المعلمين لا يستحق كل هذا
قلت أما من سنبدأ معهم من عامنا المقبل سيستحقون وأكثر.
قال : ولماذا؟!
قلت : سنجعل من جامعاتنا مصنعاً للمعلمين وليس مقراً للتعليم فحسب
مولاي السلطان كم مدة فحص العسكريين؟
قال: 45 يوماً
قلت : سأجعلها لكل معلم عاماً كاملا لن ينتقل إلى مرحلة التعليم إلا بعد اجتيازها بنجاح نعم سيكون الفاقد كبيراً ولكن المغريات ستجلب الجميع ( سيطحن ) المعلم خلالا هذا العام في شتى مجالات الحياة والسلوك والتربية والصبر والتحمل وسيطعم هذا العام بقسط وافر من جميع مستويات ومراحل علم النفس والفلسفة واللياقة الروحية واللفظية والبدنية و و و
ثم ينتقل إلى عامين تعليميين تبدأ بتراكم المعرفة وتنتهي بالتدريب على التفكير والابتكار والتطور والتطوير وفي العام الختام تكون مرحلة الممارسة والفحص الختامي سيخرج المعلم مهيئًا للعمل بقدرات عالية تجعلنا نطمئن على مستقبل جيلنا ومع ذلك نتعهده كل عامين بتدريب متعدد ومتجدد.
خلال هذه الأربع سنوات سنهيئ مُجمعات للتعليم تكون مجهزة بكل وسائل التعليم والتدريب والترفيه والإبتكار والإختراع وستكون مدارسنا يا مولاي عبارة عن ورش عمل ومصانع حية .
و كل من سيتخرج منها سيكون مهيئاً للعمل في أي مجال من مجالات الحياة وسيقوم هو بكل بكل ما يحتاج في منزله وعمله وبمهارة عالية إضافة إلى ماتخصص فيه سنصنع كل مستقبل كوكبنا بسواعدو عقول أبنائه
والمِهن المخجلة التي يتحاشى العمل بها أبناؤنا سننتج لها في مدارسنا وبأيدي أبنائنا ريبوتات بتقنية عالية تقوم بها على أتم وجه.
وستكون مراحل تعليمنا ثلاثاً :
4 للابتدائي
و4 للمتوسط
و4 للثانوي
وسندرج فيها خططنا التعليمية والتدريبية بحسب الفئات العمرية المتعلمة
كما سيكون ضمن منهجنا ربط كامل وشامل بكل فئات المجتمع وجميع أجهزة وإدارات ووزارات الدولة الرسمية والاجتماعية ليعلم الجميع أنه جزء من واجبهم المساهمة في إنجاح التعليم بل ويكون هذا التفاعل جزءا من تقويم أداء الأفراد والمؤسسات والإدارات والشركات
هذا ما لدي يا مولاي السلطان في ملفّي الأول وهناك ملفات كثيرة عن القيادات التربوية من مديرين ، ومشرفين ، ومديري تعليم ،
وملفات أخرى للطلاب، والمباني، والمقررات ،والمنهج العام
سأعرضها لمقامكم تباعا كل يوم إن أذنت لي
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد
صفق الجميع بكل صفاقة وضحكوا ضحكاً هستيرياً وساد الصمت
إلتفتَ إليَّ السلطان وقال :
أين الحقيبة التي سلمها لك رئيس الوزراء؟
قلت: في البيت
قال : هاتها
جئت بها وأنا لا أدري لماذا يريدها؟
قال:افتحها وفتحتها.
قال: اتدري ماهذه في الحقيبة ؟ . قلت:
شرائح صغيرة قال: هذه يا (خليج الليل) شرائح التعليم
لسنا بحاجة إلى خططك الطويلة ، نضع هذه الشريحة بعملية جراحية بسيطه في رأس كل طالب
ثم نغيرها مع كل مرحلة
( بلا جامعات
بلا مدارس
بلا معلمين
بلا هم)
ثم إنه(دثرني برجله) ووقعت على قفاي وحقيبتي في يدي قال:لأطولهم خذه بحقيبته من شعر قفاه( لأني أصلع) وألقهِ خارج الكوكب ،
فتذكرت :
" ألقى بي الأوغاد من سور المدينة خارجاً
فأنا هنالك منذ آلاف آلاف السنين"
قذفني بكل قوته
ووقعت على سقف مبنى أعرفه جيدا تفحصت المكان وإذا هو سقف مدرستي (القسمة المتوسطة) التي عملت بها مديرا (17) عاما شممت رائحة عطور زكية يا إلهي ماذا تغير؟
عطور في المدرسة؟
هبطت السلالم مسرعا ووجدت كل شيء قد تغير وقفت أمام مكتبي وجدته مغلقا تجولت قليلا ولفت نظري اللوحة التي كتب عليها ( مرحلة الطفولة المبكرة ) آهاااا
ياللنساء عندما يحللن بالمكان فيجعلن منه جمالا وعطرا وعذوبة ورقة وحياة ..
النساء النساء ياويح قلبي
من حنان من رقة من دهاء .
قلت : يجب أن تخرج من هنا يا( رويك ) وتنفذ بجلدك فوجودك هنا شبهة
بحثت عن مخرج لم أجد
السور عال ورماح من حديد تتجه نحو السماء وتذكرت هنا معاناة الطلاب الذين كنت أمنعهم من الدخول فيقفزون إلى الداخل في وقت (العصاري) للعب الكرة في ملعب المدرسة تذكرت ( السرداب) السّري الذي حفرته إذْ ذاك ولا يعرفه أحد إلا ولدي المهندس ( محمد الراوي) الذي اصطحبته ذات مرة وهو مازال يدرس في المدرسة (مستمعا) قبل الصف الأول الابتدائي وعندما شاهده دهش وقال: لِمَ حفرت هذا السرداب يا أبي؟ قلت : لأسلكه بعيدا عن الانظار بين البيت والمدرسة ولي فيه مآرب أخرى
قال : وماهي المآرب قلت أهمها أن لدي عشما كبيرا في صلاحك لتواصل عملي في هذا السرداب حتى تصل به إلى مدينة (سامراء) فيجتمع محمد بن الحسن العسكري
و محمد بن الحسن الراوي
وتردمان مابين السُّنة والشيعة من هوّة خلافات أخرتنا عن العالم ردحًا من الزمن.
لم يستوعب ماقلت هزّ رأسه وسار ورائي .
قلت له: ( إياك أن تخبر أحدا بهذا السرداب).
دخلت سردابي فوجدته كما هو في البدء وتقدمت على حذر ثم تعثرث وسقطت الحقيبة وتناتر بعض مافيها وفي أثناء محاولتي جمع الشرائح وقعت يدي على شريحة احتكت بـ(مروة) فقبست في يدي وأضاءت السرداب كاملا وسمعت في هذه الأثناء (حطلمة) كبيرة وإذا بي أراى في جانبي السرداب (إيقونات) صغيرة كُتب على كل واحدة منها أسماء الأمم والأقوام والحضارات القديمة منذ سيدنا ( آدم ) عليه السلام وحتى يومنا هذا وبلمسة خفيفة على هذه الأيقونة تنتقل أنت إلى الحضارة التي كتبت عليها وتشاهدها حية أمامك كما كانت في حينها وبإمكانك الدخول لتكون جزءا منها وتحاور من فيها
بدأت من سيدنا آدم ولبثت آلاف السنين أتنقّل بين هذه الأمم والحضارات حتى خرجت اليوم من السرداب
وإذا بي تحت (العرعرة المباركة) في الجانب الشمالي من(شعب صميعة) على ساكنيه السلام .
أحتضنت حقيبتي وصعدت إلى منزلي بسلام وأمان.
والحقيبة الآن معي مليئة بالشرائح
فمن أراد أن يريح نفسه وأبناءه من عناء التعليم فليبادر بالتسجيل ويرسل العنوان ويحول ( عشرة آلاف) على حسابي مع التعهد الخطي بإعادتها بعد أربع سنوات ليأخذ المرحلة التى تليها...
ويا باغي العلم أقبل،،،