اقترب الشهر الفضيل، شهر العبادة وتلاوة القران والتهجد بلياليه الدافئة الروحانية . هناك نواحي إيجابية في المكوث بالبيت بسبب الإجراءات الوقائية وهي وفرة أوقات اطول للعبادة . ومن المفارقات الغريبة في هذا الشهر، ارتفاع نسبة إعلانات المنتجات الدعائية . حتى أصبحت الدعايات القديمة ذكري لجيل الطيبين كما نحب ان نلقب أنفسنا.
وكوني فضولي و باحث عن أسس الأمور و كيف بدأت ،قرأت تاريخ الدعايات وكنت اعتقد انها بدأت مع وسائل الإعلام مثل الجرائد في منتصف القرن التاسع عشر و منها بدأت الشركات تعلن عن منتجاتها . لكن تاريخ الدعايات سابق لعهد قديم، فقد اُكتشفت إعلانات حجرية اثرية، فرعونية و بابلية و صينية للمنتوجات التجارية و الزراعية والحرف اليدوية آنذاك .
ولم يخلو تاريخنا العربي من الدعاية ومن الطرائف التي تروى عن أساليب الدعاية هي قصيدة " قل للمليحة في الخمار الأسود …ماذا فعلت بناسك متعبد" والتي ظننا لفترة انها لعاشق ولهان حتى اتضح لي ان سبب هذه القصيدة، تاجر جلب العديد من الأقمشة لبيعها على النساء، وبيعت كل الألوان عدا اللون الأسود . قصد هذا التاجر شاعر أموي اسمه مسكين الدارمي، فوعده خير. فأنشد تلك القصيدة التي جعلت نساء الحي يتدافعن لشراء كل أقمشة اللون الأسود من التاجر خاصة مع كون الشاعر شهير بالغزل والعشق لكنه تحول للزهد في اخر أيامه، فتهافت النساء لمعرفة من تلك ذات الخمار الأسود والحقيقة ان كل ذلك كان مجرد دعاية شعرية .
الدعاية مرتبطة بوسائل الإعلام الموجودة و لذلك ارتبطت بالشعر في تلك الحقبة . ولكي تنجح الدعاية لابد ان تتوائم مع ثقافية المجتمع وإلا لن تنجح. ومن القصص المروية عن تايلند، انها رفضت دخول منتج لبلادها حيث ظهر فيه نمر بشكل هزلي ، لان النمر يعتبر حيوان مقدس عندهم .
مع الانفجار التقني و انتشار وسائل التواصل بشكل مخيف ، أصبحت الدعاية و أركانها وشخوصها علم قائم يدرس أحوال وأوقات ذروة المجتمع بصورة دقيقة و ممنهجة وليست عشوائية كما يظن بعضهم. بل يستحيل ان تجد مدة اعلان تلفزيوني اكثر من ثلاثين ثانية .
يجب الانتباه والحذر من الإعلانات فهي تنشر افكار خاطئة تسويقية بحتة ، مثل الإسراف في أدوات المكياج و كمية المعجون التي توضع على فرشاة الأسنان . كما يجب الانصراف في الشهر الفضيل الى العبادة ونبذ كل ما يشتت التوجه الديني والاستفادة من الوقت بشكل أفضل.
ختاماً، لدينا أربعة وعشرون درة كل يوم ، يجب ان تستثمر بشكل فعال بدلًا من شراء مالا تحتاج وإضاعة الأوقات فالأزمة علمتنا استغلال الوقت بشكل كبير . تخيل وضع تلك الدرر بيد اكرم الاكرمين وتخيل الثواب الجزيل الذي ينتظرك في أحوج وقت لك لكل ذرة عمل.
المهندس علي الماجد
1 comment
1 ping
عبدالله محمد الغانم
21/04/2020 at 9:42 م[3] Link to this comment
الوقت من ذهب
على قولة الإنجليز time is gold
مقالاتك فيها الكثير من الفائدة و أنا لا أجد في قرائتها ضياع للوقت.
إنت مميز.