رغم التطور والحضارة وعصر العلم والانفتاح والعقلانية الذي نزعم اننا نعيشه اليوم، إلا أننا ندخل في عالم غريب مدهش عجيب، وعكس الشعارات والإدعاءات التي نزعم
جلبنا مصطلحات مثل -الأنسنة- لتشهد علينا لا لنا، فبدلا من أنسنة الدين والعلوم والاكتشافات والمخترعات والتكنولوجيا وتسخيرها لتعزز مفهوم ما ندّعيه -الإنسانية- وتسخير كل شيء لخدمة الإنسانية واحترام الذات البشرية والسمو بالإنسان لدرجة التكريم التي أرادها الله للبشر، وتكوين مجتمعات سليمة سوية خالية من الحروب والعنف، والقتل والسلب والنهب، والعنصرية والطائفية والحزبية والقبلية، والتسلح والكفاح والجهاد، وإلا فإن الإنسانية تضيع وتطيح باسمها.
ما يلاحظ بشكل جلي في عالمنا اليوم أن الإنسان يمتهن ويهان من قبل الإنسان بكافة الأشكال والطرق، وتكبح الحرية باسم الحرية، وينتهك الدين باسم الدين، وتطوع العقول لتخريب العقول، وتتطور العلوم وتعمل مراكز الأبحاث والتكنولوجيا لاختراع وسائل الدمار والأسلحة والحروب وتوسع وسائلها وأنواعها ومجالاتها المادية والمعنوية والنفسية والفكرية، ولانتهاك القيم وتحطيم المثل السوية بدلًا من خلق وسائل الرفاة وتعزيز التعايش السلمي الآمن للبشر ومحاربة الأمية والجهل وتخفيض وسائل القلق والألم الحياتي الملازم للإنسان بفطرته كمسلمة طبيعية لحياة دنيويه للإيفاء باحتياجاته ومتطلباته وغرائزه وطباعه.
فبدلا من تسخير كل الإمكانيات لخدمة هذا الكائن وإيجاد وسائل الدعة والسكينة والأمن والسلام، أخذت الحكومات والدول على عاتقها بذل أقصى الجهود لمحاربة الإنسان ووجوده وإيمانياته وحريته في اختيار مصيره وسلب مشيئته.
فنجد كافة المخترعات الحديثة والتكنولوجيا المتقدمة ووسائل الرفاه المزعومة ظاهريًا أنها لصالح الإنسان، إلا أن حقيقتها أرهقت ذلك الإنسان وزادته أعباء فوق أعبائه وهموما فوق همومه وجعلت من الكماليات ضروريات والعكس.
مسخت الأديان وأوجدت الطوائف والملل والنحل وقادت إلى الإلحاد والخرافة والشعوذة، ونافقت بين أبناء التشريع الواحد وأعادت العنصرية والمذهبية والقبلية والطائفية، وبدلا من التطور والانفكاك من الجهل والجهالات والجاهلية، عدنا إليها أشد كفرًا ونفاقا وبثياب عصرية براقة خادعة.
هل نحن نعي وندرك ماذا يفعل الإنسان بالإنسان؟
إذا لم يحترم الإنسان انسانيته ويتخلى عن هذه الانتهاكات باسم الأنسنة في الحريات والأديان والعلوم وكافة مناحي الحياة، وإلا فلنرحل من كوكب ليس فيه الا شياطين الإنس والأنسنه إلى كوكب اخر ،أو إلى الآخرة بلا تحفظ أو خوف.