أحمد صالح حلبي
اعتدنا على سماع عبارة ” الطاسة ضائعة ” تردد على ألسنة الكثير منذ زمن ، لكننا لا نعرف ماهي هذه الطاسة وكيف ضاعت ؟
وقد اختلف الرواة في تعريفها ، كما اختلفوا في كيفية ضياعها ، فهناك رواية تقول : أنه ” في إحدى الممالك كان هنالك ملك وكانت زوجته حامل. اجتمعت الرعية لحضور ولادة ولي أو وليّة العهد .
وكان في القصر داية (قابلة) وكانت موثوقة من الجميع ،لأنها لا تكذب.
دخلت الدّايه لتوليد زوجة الملك وانتظر كبير الوزراء ليزفّ البشرى للملك إن كان الطّفل ذكر أم أنثى، سمع الوزير صراخ المولود فوقف عند باب الغرفه ليكون أوّل من يتلقى البشرى، خرجت الدّاية
و سألها الوزير (بشّرينا)
فقالت : المولود ذكر و أبن حرام..
قال الوزير : ماذا تقولين ؟ هذه زوجة الملك ! يا امرأه
قالت : أنا لا أغيّر كلامي المولود أبن حرام.
فسألها الوزير : كيف عرفتي!
قالت الطّاسة لا تكذب
كل طفل أضعه بعد الولادة في الطّاسة فإذا طفى يكون أبن حرام والعكس يكون أبن حلال
فقال الوزير أرني الطّاسة
أحضرت القابلة الطاسة
فأخذها الوزير وأمر برميها في البحر
وقال لها: والآن أخرجي وقولي للجميع ضاعت الطّاسة
فتكوني حفظتي كرامة الملك ولم تكذبي ” .
ورواية أخرى تقول أنه ” في عهد الأمير بشير الثاني الشهابي، أحد أمراء جبل لبنان، قام هذا الحاكم بتوحيد المكاييل، ووضع نظام الصاع، أي (الطاسة)، لتسهيل عملية مراقبة التجار والغش التجاري، والعودة إلى مرجع متفق عليه، عند نشوب الخلاف بين التاجر والمستهلك، وذلك عن طريق صناعة نموذج لـ ((طاسة)) ذات حجم ومقاس محدد، على جميع الباعه والتجار الالتزام به عند البيع والشراء، فتم إيداع (الطاسة) في مقر الإمارة… المهم، بعد فترة من الزمن، نشب خلاف على (الطاسة) التي يكال بها القمح (الصاع، بالبدوية الفصحى) بين عدد من التجار والمواطنين، فقرروا الاحتكام إلى الطاسة المحفوظة في مبنى الإمارة، لكنهم لم يجدوها، فقال الناس: (ضاعت الطاسة)، دلالة على انعدام المقاييس وضياع المعايير!”
وهناك رواية ثالثة تقول : ” إن سائقاً في إحدى الدوائر الحكومية أراد أن يتقاعد بعد خدمة ثلاثين عاماً فسلم عهدته لسلفه.. وعهدته كلها مجرد سيارة قديمة جداً.. لكنهم فحصوها وقرروا أن (الطاسة ضائعة) من السيارة واستدعوا السائق وأوقفوا طلبه وطالبوه بالطاسة فقال: الطاسة ضايعة!.. وشرى لهم طاسة فرفضوها وأصروا على الطاسة التي كانت في السيارة!! وشكلوا له لجنة من أجل الطاسة! وفيما اللجنة (تتمغط) وتجتمع على مهل وتأخذ مكافآت من أجل الطاسة تقاعد المدير القديم وجاء مدير جديد ولا يزال تقاعد السائق المسكين معلقاً وهو يحضر بلا راتب!! يريد الخلاص!! فقال له المدير الجديد: من أنت وما سبب حضورك؟ فقال: الطاسة ضايعة وهذا سبب حضوري! فشك المدير في عقله وأحاله لمصحة نفسية ولا ندري ما مصيره!! ويقال إن وكيل وزارة جاءته معاملة كبيرة كثيرة الأوراق فتفرغ لها وقرأها ورقة ورقة فوجد أن كل موظف مختص بها يزحلقها عن وجهه بأن يطلب المزيد من المستندات والأوراق، وقع شدة دوران المعاملة وطلب كل موظف المزيد من الإيضاح ليتخلص من المعاملة تراكمت الأوراق وكبرت المعاملة التي تعقدت جداً ودوخت رأس من ينظر فيها فشرح الوكيل عليها: المدير العام: الطاسة ضائعة! ولكن المدير العام لا يعرف المعنى ولا هذه اللهجة فعمل تعميماً لجميع الأقسام بالبحث عن الطاسة الضائعة ” !
والمتابع لأنشطة وأعمال هيئة الرقابة ومكافحة الفساد ” نزاهة ” ، يدرك تماما أن مقولة ” ضاعت الطاسة ” أو ” الطاسة ضائعة ” التي كانت تردد على الألسنة لم يعد لها وجود حاليا ، فأنظمة الدولة ضمنت الحقوق للجميع ، و” نزاهة ” بالمرصاد لكل من يستغل الإمكانيات المتاحة له أو يحقق منافع خاصة من خلال وظيفته .