غادرت منال .. !
كان لقائي الأول بها قبل عام من الآن ، حين تم ندبي لسد العجز هناك .. رافقتني إحدى الزميلات لمكتبها ..لأتعرّف بها ولتستبشر بمجيء من تسد العجز الحاصل في الشعبة .. ولاشك أن انتقال الموظف من مقر عمله الرئيس لمكان آخر ليسد العجز خاصة فإن ذلك الأمر يشكل عبئًا نفسيًا وذهنيًا عليه .. وهذا ماكنت مقبلة عليه وأعلم بأنني ملاقيته .. ما أن دلفت إلى مكتبها حتى نهضت من مكانها ووقفت .. مدّت لي يدها مصافحة .. ووجهها يتهلل بشرّا وسرورا بابتسامة مضيئة .. حين صافحتني كانت تشد بيدها على يدي .. وفيما بعد علمت أنها بثت شعورا مختلطا من أمن وسلام واطمئنان سرى عبر مسامات كفي إلى أن بلغ مكامن الإحساس مني .. أما ابتسامتها تلك فقد عبرت عينيّ لتستقر في عقلي فتكون الإطار الذي يؤطر لأيامي المقبلة معها.. فطلبت النقل لمكتبها والاستقرار به .
كلفتني بعدد من المهام .. وفي كل مرة أستشيرها في أمر ما كانت تقول ( أثق بك جدا ) و( ثقتي بك لاحدود لها ) بل إنها في إحدى المناسبات قالت لي : ( لك كامل الصلاحية ..) وفي كل مرة كانت كلماتها تلك تبعث في نفسي أمرين كلاهما يترتب عليه الآخر الأول الزهو الخفي بهذه الثقة المطلقة .. والثاني الإصرار على أن أكون على قدر تلك الثقة نجاحا وإنجازًا وتميّزا .. وبهذا حققت منال المنال .. وأصبحت بوصلة العمل الجاد المثمر المتقن تشير إليها .. فكانت نعم القائدة لمكتب وسط تعليم جدة خلال فترة تكليفها .. وكانت أنموذجًا لنظريات الإدارة الحديثة التي تقرر أنّ من أهم سمات القائد الناجح أن يكون متسمًا بالإيجابية والتفاؤل قادرًا على اتخاذ القرارات السليمة ويمكنه التأثير في الآخرين تأثيرا إيجابياً يسهم في الإنجاز وتحقيق الأهداف ، ناهيك عما يجب أن يكون عليه القائد من حنكة وذكاء وقدرة على تجاوز الأزمات ومرونة في التعامل مع الطوارئ والمتغيرات .. كل هذا وغيره اتسمت به منال .. فقادت سفينة الوسط بكل من عليها باقتدار وحب لترسو على شواطئ التميّز بمصداقية وشفافية عالية دون مبالغة أو تزييف للحقائق والمدخلات . وكان شعار الجميع ليس هناك صعب المنال وقائدتنا منال .
وحين صدر قرار المدير العام للتعليم بمحافظة جدة بتكليفها مديرة لإدارة الإشراف التربوي تباينت ردود الفعل لدى كل واحدة منا نحن منسوبات مكتبها العزبز .. فتملّك الحزن قلوبنا كيف لا ومنال تتربع على عرش تلك القلوب .. لكن إحساسًا خفيًا بالسعادة بدأ يتسلل إذ سنكون تحت مظلة تلك القائدة المحبوبة وستزورنا غيمتها الممطرة بالخير دوما ولن نفترق عنها .. بل لقد أصبحت كالسحابة التي ارتفعت في السماء لتتسع مساحة البقعة من الأرض التي تظللها وتسقيها ..
تجددت لسعة الحزن حين استودعتنا الله واستأذنتنا في الرحيل من مجموعات الواتس آب التي أنشأتها لمنسوبات المكتب لتيسير العمل ولبناء جسر التواصل الممتد دوما وتركت خلفها عبارة ( غادرت منال ) غادرتنا بعدما وضعتنا بأيدي أمينة استقت منهجها الإنساني في القيادة وتتلمذت على يديها لتكون خير خلف لخير سلف .. غادرت منال وقلوبنا تتبعها ترتّل ابتهالاتها للمولى عز وجل أن يحفظها أينما كانت وأن ينفع بها وأن يسخّرها للخير ويسخّر لها كل خير .
كتبته : حنان بنت سالم الغامدي
مشرفة اللغة العربية بمكتب تعليم وسط جدة
1 comment
1 ping
سعاد العتيبي
31/10/2017 at 10:04 م[3] Link to this comment
نسأل الله لها العون والتوفيق والسداد سنفتقدها كثيرا .