استميحكم عذرا بأن أبدأ بتقديم مختصر عن وادي بيده وتسويقه لمنتجاته من الفاكهة وبالذات الرمان قبل خمسة عقود وخلالها.
وادي بيده ذلك الوادي الذي يمتد إلى الشمال الشرقي من منطقة الباحة. تتمطى منابعه الأساسية جنوبا إلى حمى بن يسار وذات الحقة ووادي الكثا لتتقاسم ما يوزعه الله من الغيث حينما تهمي به سحب السماء مع أودية أخرى في اتجاهات مغايرة لاتجاه وادي بيدة. يتلقف وادي بيده سيول شعاب عديدة وكثيرة جدا لترفده بمياه غزيرة من شرقه وغربه . من لطف الله سبحانه وتعالى أن سقوط الامطار لا يعم كل هذه الشعاب والروافد دفعة واحدة وألا أصبح واد غير قابل للعيش والسكنى وان لم يخل الامر طوال تاريخ الوادي من فيضانات مدمرة. سيأتي تلميح عنها مختصرا.
يمتد وادي وادي بيده من الجنوب حتى الشمال نحو ١٢٠ كم حيث يشكل مع وادي تربة زهران الموازي له من الغرب رافدين رئيسين لوادي تربة البقوم الذي يخترقها لينتهي في رملة سبيع . تبعد اقرب القرى والمزارع عن منابع وادي بيده نحو ٢٠كم.
يضيق ويتسع هذا الوادي حسب اقتراب أقدام الجبال المحيطة به من الشرق والغرب فهو قد لا يزيد اتساعه عن ٤٠٠م في أقصى اتساع له ويضيق حتى ٢٠٠م . وهذا يشمل الأراضي الزراعية الواقعة على جنباته. اما مجراه فقد ضُيق بزيادة استصلاح الأراضي على جانبيه حتى انه ليصل إلى أقل من ١٠ أمتار أحيانا.
من النادر ان يخل اي جزء من ضفة هذا الوادي غير مستصلحة للزراعة حتى امتداد نحو ٧٠كم من منابعة. هي مساحات صغيرة تتفتت كل عام يتقاسم الملكية.
عاش مزارعو هذا الوادي في صراع ومعاناة مع فيضان هذا الوادي حتى ما قبل ٣٠ سنهةحيث بني سدا ترابيا خفف من هذه الفيضانات حتى أصبحت نادرة وهذا ما شجع على التوسع في الاستصلاح وتضييق مجرى الوادي.
لا يكاد يمر عامان قبل بناء السد دون فيضان شديد. يتلف احيانا المحاصيل ويقتلع أشجار الفاكهة ويهدم الجدران ويملأ المزارع بالرمال والحجارة الكبيرة الحجم احيان بل انه يجعل بعض المزارع اثرا بعد عين.
يا لها من فاجعة للمزارعين يشاهدون اندفاع السيول بقوة يدعون الله ويستغيثون به أن يجنب مزارعهم الضرر. يتفقدونها في اليوم التالي يعرفون قبل أن يرونها ما حل بها من مشاهدة لقوة السيل في الليلة السابقة. يحمدون الله على كل حال.
يجتمعون في صلاة الظهر في باحة مسجد القرية.يتناقلون أخبار مزارعهم وما حل بها. تتكون الصورة لديهم كامله. يضعون خطة للتعاون على إصلاح الاضرار. لا عون حكومي في ذلك الوقت ولا جرافات أهلية ولا حكومية. وإنما جهد بشري بأدوات زراعية مبسطة.
يفزعون لبعضهم بعض في القرى لإصلاح مزارعهم فيما يسمى بالعَملة حيث يبدأ العمل بعد نحو اسبوع من جريان السيل. في غضون شهر أو شهرين يتم الإصلاح لكل المزارع ويعاود الناس حرثهم وزرعهم وحصادهم. تكافل وتعاون وتحد وإصرار. ينتجون قوتهم مكتفين ذاتيا ويفيض فائض من الحبوب ليخزن استراتيجا مؤونة عام أو أكثر وقليل يبتاعون منها في الأسواق الأسبوعية بشكل اساسي والطائف ومكة وجدة عندما يكون المحصول وافرا للحصول على كسوة لأهل البيت واحتياجاتهم من البن والاقمشة وبعض أدوات زراعية.
وادي بيده حضن زراعة الفاكهة وبالذات زراعة الرمان والخوخ حيث هو المكان الأنسب والأول الذي زرع به الرمان في المنطقة والمملكة . واجود أنواع الرمان تجده في وادي بيده. ومنه انتشر إلى الأودية الأخرى بمنطقة الباحة وجودته متفاوتة تقترب بعضها من رمان وادي بيده ولكن لا تعلو عليه.
كانت زراعته على أطراف المزارع وليس في بطونها لأن الأساس هو زراعة الحبوب من قمح وذرة. وهذا لا يعني قلة إعداد شجر الخوخ والرمان.
الخوخ والرمان والعنب غلات نقدية. يزرعها المزارعون للحصول على المال ليسدون به احتياجاتهم.
كيف كانوا يسوقونه.
كانوا ينقلونه إلى الأسواق الأسبوعية بالمنطقة على الجمال حتى ما قبل ٤٥ عاما. يضعونه في صناديق من الخشب أو في اوعية من الصوف أو شعر الماعز تسمى الخملان. يصلون إلى السوق قبل انعقاد السوق بيوم بإعداد قد تصل إلى ١٠٠ جمل من قرى وادي بيده وبالذات إلى سوفي الباحة ورغدان حيث كانا من أكبر الأسواق في منطقة الباحة وقليل منها كان يصل إلى سوق بلجرشي لانه الابعد عن وادي بيده لكن مع تواجد السيارات فإن سوق بالجرشي من اقوى الأسواق في القوة الشرائية.
يبيع البعض منهم في تلك الأمسية التي تسبق يوم السوق على مشترين يبيعون باليوم الثاني بالتجزئة والبعض ينتظر لليوم الثاني وقد يجزئه وقد يبيعه جملة. وهكذا يجرى الحال طوال الموسم. للطائف ومكة نصيب من الرمان قبل خمسة عقود وأكثر كانت السيارات قليلة والطرق غير معبدة. كان البعض يبيع الرمان على الشجر على شخص يقوم بجنيه ووضعه في صندوق السيارات اللوري بعد أن يضع تحته فراش سميك من ورق الأثب المتوفر بكثرة في وادي بيده. ينقل إلى الطائف ومكة ويباع هناك بالتجزئة او بالجملة. يسمى هذا النوع من التجميع ب(الكتيت) لأنه ليس في اوعية وإنما حبوب مرصوصة ومكومة فوق بعضها في حوض السيارة. يقوم المزارعون أحيانا بالمشاركة في استئجار سيارة وتوزيعها بينهم والذهاب بأنفسهم لبيعها في الطائف ومكة وجده.
منذ أربعة عقود تغير الوضع. اختفت الجمال وحلت محلها سيارات أمريكية تسمى هاف لوري اقتناها البعض من المزارعين في قرى الوادي. اصبحت التعبئة في اوعية خشبية تسمى هواري صنعت خصيصا للخوخ والعنب . وقليل كان ما يعبأ بها الرمان حيث استعيض عن ذلك بكراتين مخصصة في الأساس لعلب الزيت ابو طير وموبل. وحلت مشكلة تعبئة الرمان. والتي استبدلت هذه الأيام بكراتين صنعت خصيصا لمنتجات فاكهة وادي بيده والباحة.
كان كل صاحب سيارة له مجموعة من المزارعين يحدد لهم يو السفر. فيقطفون ويحملون ويذهبون لبيعه في الطائف بشكل اساسي حيث يستقبله الدلال أو المحرج في الصباح ويبيعونه بالجملة حسب المزاد. أصبح لدى كل مزارع على الأقل سيارة خاصة يابانية لنقل منتوجه من الفاكهة إلى الأسواق. لأسواق رغدان والباحة وبالجرشي الأسبوعية نصيب من الخوخ والرمان والعنب من وادي بيده وبكميات وفيرة بعد وصول هذه السيارات أصبح التسويق يوميا بعد أن تحولت إلى أسواق يومية تبلغ ذروتها في أيام انعقادها الأساسية. كان سوق رغدان يعقد يوم الاحد وسوق الباحة يوم الخميس وسوق بالجرشي يوم السبت. قضى سوق الباحةةعلى سوق رغدان بحكم قربهما من بعض رغم ان سوق رغدان كان هو الاقوى في البيع والشراء. بطبيعة الحال مع مرور الوقت تم التوسع في زراعة الرمان حتى لم يصبح الآن متسع لزراعة الحبوب إلا نادرا. وأصبحت الحاجة ماسة إلى آليات جديدة للتسويق.
إنني كأحد ابناء قرية اللغاميس بوادي بيده. مارست كل الأعمال الزراعية طيلة حياتي في المزرعة وحسب وقتي الذي يتوفر في الإجازات والآن تفرغ شبه تام بعد التقاعد.
علمني ابي وأخي علي رحمهما الله كما علما اخوتي فنونها. هبطت الأسواق الأسبوعية على قدمي ونمت على اديم الأرض متوسدا ذراع الجمل. لم يعتقني الجوع والضمأ ونهشت الطريق من قدمي وانا ابن الخامسة عشرة واقل. لست لوحدي وإنما هو حال جيلي. تجذر حبي للارض التي لم تنبت الزراعة فقط بل انبتتني ورسخت جذوري وانتمائي لها. عشقتها كغيري وأن كنت أشعر بأن عشقي أكثر. آنس واسعد بتواجدي بها ازهو وإنا اتجول بين اشجارها افرح عندما اغرس بها شجرة فتنتج أو نبتة جوري وياسمين فتزهر. افرح بلمة العائلة أخوة وأخوات وأحفاد تتهادى اصواتهم بين جنباتها في الصباحيات والامسيات. ابتهج عندما يزورنا الأصدقاء والزوار يتجولون فيها ويخترفون من نتاجها ويدعون. انها مزرعة صغيرة تكبر بالحب لها والعناية بها مني واخوي وأبنائهم اطال الله في عمري وأعمارهم واعماركم .
في السنوات الثلاث الأخيرة رأيت جهد المزارعين وتعبهم جيل جديد يحاول التشبث والعناية بالمزارع وهم اصحاب وظائف. يودون الخفاظ عليها . يودون دخلا اظافيا او على الأقل لا يدفعون من جيوبهم. لكن الكثير منهم لم ينجح. نفقات عمال واسمدة ومبيدات وصرف على حفر ابار وماكنات مياه.
بدأ تململ المزارعين وبدأ التفكير في تأسيس جمعية الرمان وتاسست ولله الحمد وهي في بدايتها. يقوم علياه اناس أفاضل مجتهدون حريصون متطوعون. يحتاجون الدعم والعون والدعاء بالتوفيق.
مهرجان الرمان الذي ينعقد منذ سبع مواسم اسهم في تحريك التسويق نسبيا والإعلام عن الرمان. وهو في تطور وتحسن عاما بعد عام. علمت هذا العام أن من قام بالترتيب والتنظيم له هو الأستاذ عبد الله الزهراني وكما علمت انه صاحب باع طويل في تنظيم المهرجانات والمعارض في أرجاء المملكة وله سمعة جيدة في هذا المجال. اتمنى له التوفيق والنجاح. رغم أهمية هذا المهرجان إلا هناك بعض الاقتراحات لعلها تلقى قبولا ونقاشات مستفيضة من قبل جميعية الرمان محافظة القرى وبلدية القرى والمكتب الزراعي ببيدة بل فرع وزارة الزراعة بالمنطقه وهذه الاقتراحات على النحو التالي:
اولا: الالتفاتة لمكتب الزراعة بوادي بيده فهو الأهم بالنسبة للمزارعين في وادي بيده وعليه عبء كبير ولكنه محدود الفائدة والتأثير. المكتب به موظفون إدريون وبيطريين وليس به حسب علمي من الباحثين والمرشدين الزراعيين إلا واحدا وهذا قليل جدا. الموجودون مجتهدون وحريصون على المساعدة بقدر المستطاع. المكتب بحاجة إلى باحثين ومرشدين زراعيين باعداد وفيرة حيث آفات الرمان والخوف والعنب مستشرية بشراهة والمزارعون لا يجيدون معالجتها رغم ما يصرفون عليها من مبالغ حيث لا مرشد ولا معين لهم. لا بد أن يقوم الباحثون بدراسات ورفع تقارير دورية لمناقشتها من خلال البحوث الميدانية واتخاذ ما يلزم حيالها من معالجات. المزارعون بحاجة لدورات إرشادية على طوال العام والاستماع إليهم وتوجيههم. في قاعة مخصصة لذلك في المكتب الزراعي. المكتب بحاجة لسيارات وماكنات رش كثيرة ومركز للصيانة.
ثانيا: لا بد أن يقوم فرع وزارة الزراعة بالتعاون مع جامعة الباحة أو أي جامعة بالمملكة لإجراء البحوث العلمية في وادي بيده وغيرها من القرى الزراعية بالمنطقة وان يكون هناك ميزانية مخصصة لذلك مستدامة للمتابعة.
ثالثا: تفقد أحوال المزارعين ومنحهم مبلغ مالي لكل شجرة رمان كما هو النخلة وتوعيضهم تعويضا مجزيا عندما يلحق بهم من أضرار وكوارث في مزارعهم وان تكون اللجان من المنصفين العارفين، وان يكون بعض أعضائها من المزارعين. اذكر لكم أن سيلا جارفا قبل قرابة ٥ أعوام اتى نفع منه بسقيا وضررا منه بجرف بعض المزارع وهدم بعض الجدران كان أحدهما لاخي. كلف بناؤه (٥٠) ألف ريال قدرت الضرر اللجنة ب(٩)آلاف. هذا كان في زمن فيه ريع بالميزانية. تظلم من هذا التقدير اخي ولم يجد آذان صاغية ولم يسلم المبلغ. اعيد بناؤه باربعين الف قبل عام. إن المزارع مهظوم حقه في غالبية المناطق.
رابعا : من المؤكد أن اهتمام وزراة الزراعة وفروعها لن يتم ما لم يكن هناك فكر وعقول تدرك أن النتاج المحلي من الزراعة هو ليس مردوده للمزارع بل هو مردود وطني يسهم في الدخل ويعين الدولة في رفاهية المزارع الذي هو مواطن كادح ملتصق بالارض. وان الزراعة رافد اساسي للتنمية شانه شان الصناعة والتجارة والسياحة وغيرها من مقومات الدخل. وهذا بحاجة لتطهير فساد العقول وذلك بإعادة تأهيلها أو تغييرها.
خامسا: فيما ما يتعلق بالمهرجان الخاص بالرمان فهو فكرة جميلة تبلورت وتحققت فشكرا لم فكر وشكرا لمن نفذ. اما ونحن على أبواب المهرجان السابع فلعله من الممكن تطويره من عدة جوانب.
الجانب الاول هو متعلق بالموقع وهو جيد لكونه قريب من الطريق العام ولكن تخطيطه في ظني ليس جيدا على الاطلاق لأنه على شكل صفوف مستطيلة ممتد على مسافة ١٥٠ مترا. والمفترض أن تكون على شكل دائري لكي تكون المعروضات متاحة للرؤيا للزائرين وان تكون الفرص متكافئة بدرجة كبيرة للباعة العارضين بأن يستقبل كثيرا من المشترين وزوار المعرض. وهذا من شأنه توسعة المساحة واختيار مكان غير بعيد عن موقعه الحالي بالإضافة إلى تخصيص مكان واسع لانتظار السيارات
الجانب الثاني: تمكين مجموعة من المزارعين من لقاء صاحب السمو الملكي أمير المنطقة د. حسام بن سعود الذي هو حريص كل الحرص على تلمس احتياجات المواطنين من خلال ما يطرحونه والمزارعون لديهم ما يطرحون ويعرضون ويلتمسون تحقيقه وسموه قادر على الوعد والتنفيذ.
الجانب الثالث : تخصيص استراحة انيقه داخل فناء المهرجان لتناول عصير الرمان فقط يمر عليها الزوار .
لا شك أن هذه التوسعة والتطوير، يحتاج إلى رصد ميزانية. ولكن لكي يكون المهرجان ناجحا بشكل متميز ويأتي له الناس من كل مناطق المملكة ويكون هناك مجال للبيع بكميات كبيرة بالجملة ويكون هناك مردود إيجابي للمزارعين فإن تنفيذ المهرجان بالشكل اللائق هو ما سوف يحقق ذلك. وضعه الراهن لا يحقق المرجو بشكل مرضي والطموح أكبر من ذلك بكثير.
الجانب الرابع. تخصيص حافلات تنقل الراغبين من الزوار للمهرجان إلى مزارع وادي بيده ووادي تربة للتعرف على المزارع وأشجار الرمان مع التنسيق مع الأهالي وهذا سيتيح الشراء من المزارع مباشرة وتكوين منفذ للشراء وربما ايجاد زبائن مستديمين.
الجانب الخامس. هو أن يبقى هذا الموقع مفتوحا طوال العام ويخصص أماكن على أطرافه لبيع الخضار بالتجزئة والجملة حيث لا مكان في شمال منطقة الباحة مخصص للبيع بالجملة الفاكهة والخضار .
الجانب السادس. هو التقييم المستمر لأداء المهرجان وتكون تقرير والاستنارة بآراء المزارعين فيه من خلال استبانة توز اثناء المهرجان واستلامها بعد نهايته.
اتوجه بالشكر الجزيل لمزارعي وادي بيده وتربة زهران لمشاركتهم الفاعلة في المهرجانات السابقة واستعدادهم للمشاركة في المهرجان السابع، والشكر لجمعيةالرمان على جهودها المحمودة واجتهاداتها المخلصة، والشكر لمحافظة القرى الحريصة على إنجاح المهرجان ويتواصل الشكر لجمعية الرمان المشرفه والمنظمه لهذا المهرجان ولبلدية القرى المهتمة بموقع المهرجان وحرصها على اختيار الموقع الأنسب والذي آمل أن تنجح مستقبلا في اختيار موقع افضل وثقتي كبيرة في رئيسها المهندس الشاب سعيد المهدي الزهراني ذي الكفاءة والخبرة الإدارية التي تجلت في بلدية معشوقة قبل تسلمه بلدية القرى التي تلبس بنفع مشاريعها وادي بيده بكامله بل منتزهاتها مزار للكثيرين من أسر المنطقة . دمتم جميعا بخير.
عبد الله سالم غانم الزهراني