إن الله عز وجل خلقنا وأحسن خلقنا، وبعث إلينا الرسل لإتمام مكارم الأخلاق، والأصل في المسلمين أن يكونوا على خلق وتسامح ، والإنسان بطبعه مدني يجب أن يكون متعاونًا في مجتمعه الذي يعيش فيه، ولا يشذ عنه فكما أنه يحب أن يعامل بأفضل معاملة فالواجب الأخلاقي يحتم عليه أن يعامل الآخرين بالمثل، ولكن قد تحدث أحيانًا هنات وهفوات بين الناس؛ وذلك لاختلاف الطبائع والقناعات ، ولكن تظل القيم هي التي تضبط الإنسان في تعاملاته مع الآخرين، فكما أن الإسلام قد حثَّ المسلمين بعدم رد السيئة بالسيئة في قول الله تعالي (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) سورة فصلت ، الآية 34.
فقد أعطى المسلم حق الرد على من أساء إليه بعدل وإنصاف من غير غلو يقول تعالى (فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) سورة البقرة 194.
ذكرت هذه الصنفين من التعامل حتى يدرك المرء متى يستخدم هذه النمطين - التسامح والاعتداء - في حياته فليس في كل الأحوال أن يكون الإنسان مسالمًا ولا يكون عدوانيًّا، بل الواجب عليه أن يكون وسطيًّا ، ويستخدمهما بحسب ما يقتضيه الحال، وفق موازنات تحفظ له كرامته ولا تضعه في موضع السخرية أو الإهانة.
إن حسن الخلق والعفو والتسامح ونقاء النفس والتصالح معها من مكارم الأخلاق التي يجب أن يكون عليها الإنسان، ولا يعني أن يتصف الإنسان بهذه الصفات أن يغض الطرف عن الأخطاء التي تكون محل سخرية أو إساءة فقد يتغافل الإنسان عن ذلك أحيانًا إذا حدثت من أقرب الأقربين وذلك من باب مواصلة الرحم وعدم قطعها ولا يعني سكوته أو تغافله عن ذلك ضعفًا منه بل هو مصدر قوة حيث إنه يراعي صلة القرابة ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال أن يطيل في السكوت فلا بد له من المناصحة والتوجيه حتى لا يكون ذلك عادة، ولكن الإنسان لا يمكنه أن يتغافل عن إساءة الأخرين خارج محيط الأسرة سواء أكان ذلك في مجال العمل أو وسائل التواصل الاجتماعي أو الأماكن العامة فحينئذ يكون التغافل في هذا الموضع معيبًا لا يمكن قبوله، وفي هذه الحال من حقه الرد عليهم حتى لا يكون موضع تندر أو سخرية كما يمكن للمرء تقدير الموقف فإذا كان المسيء سيِّئ النية فإن الواجب لا يقتضى السكوت عن إساءته، ولكن إذا كان الرجل حسن النية و بدرت منه هذه الإساءة فيمكن للمتضرر أن يسكت عنها، وهذا هو عين الحق والصواب، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :" إن من المسائل مسائل جوابها السكوت "