التخبيب هو خصلة نفاق وكلمة شر؛ يقصد بها تشويه وإيجاد فرقة وإخلال بنظام طبيعي وحياة تسير بشكل اعتيادي وفق عادة أو عرف أو اتفاق أو عقد، وخلق مقارنات ليست عادلة ولا متكافئة سواء بين دول أو قادة أو جماعات أو حتى أفراد، ومؤداها لإيغار الصدور وإيجاد الخلاف.
وللاستدلال على ذلك نوضح كمثال لما يجري في السياسة والحرب التي تدور رحاها الآن في سوداننا الشقيق، فهناك تخبيب حصل فمن هو المُخبِب ومن هو المتخبَّب؟ وما هو الهدف أو الأهداف؟ وما مصلحة السودان وابنائه؟ ولماذا تدور رحى حرب قًُوى سواء اقليمية أو دولية أو عرقية بينهم وفوق أرضهم وتراق دمائهم؟.
في وطن لم يكن للاستقرار فيه نصيب منذ عقود عديدة، إذ لم يوفق الحكم العسكري من خلق تنمية واستغلال الإمكانات والثروات التي يذخر بها السودان، وشعبه الطيب المسالم المبدع في سائر العلوم والادب والطب، هذا فضلا عن الثروات الطبيعية التي من أجلها جرى التخبيب بين أبنائه.
الطمع والإغراءات حتى والأوهام والأماني، والسعي وراء سراب الحرية والديموقراطية، التي رفعتها الدول الغربية كشعارات في العقود الماضية واتضح أنها مجرد سراب ليس إلا، فحكم الجيش حتى وإن كان ظالما أفضل من الاستعمار وتكالب الأمم على بلد ما، ونهب خيراته وثرواته من أهله، حتى وإن كان فسادهم جعلها لم تستخرج ولم يتم تنمية البلد كما ينبغي له أن يكون وكما يجب.
حكومة مدنية لم تنجح ولن تستطيع النجاح ليس في السودان وحسب لكن في معظم مجتمعاتنا، لأننا لا ولن نؤمن بقبول الآخر، ورغم نجاح بعض الملكيات في الحكم سواء عربية أو عالمية؛ لم تنجح إلا بمحاربة الفساد وإيجاد العدل والمساواة بين أبناء الشعب الواحد وأطيافه المتعددة، وطالما أنه لم يتم تشكيل قاعدة ومبادئ تؤمن للآخر السلام والحرية والعيش المشترك والمساواة فإن الحكم العسكري هو الأجدر بقيادة الدولة وحفظ أمنها، أما الحكم المدني مثلا والمنشود في السودان أو لأي مجتمع آخر؛ فيتطلب تأسيس وتهيئة للمجتمع ابتداء من المدرسة والقبيلة والمنطقة والعرق، ويتربى المجتمع بأكمله على هذه المبادئ لفترة من الزمن، مع سن القوانين التي تضبط هذه العملية، وتجعل ولاء الفرد للوطن بغض النظر عمن يحكم، سواء كان مدنيا أو عسكريا، فالقوة المطلقة للنظام والقانون المطبق على كل من هو فوق تراب الوطن ويعيش تحت سمائه.
ولمن يتخيل صعوبة تطبيق ذلك بل شبه استحالته، فيمكن القول له بأن الصحيفة التي خطها الرسول - محمد صلى الله عليه وسلم- عندما وصل المدينة واستطاع بها الإخاء بين الأوس والخزرج والمهاجرين والأنصار ويهود بني قريظة ويهود بني قينقاع ويهود بني النظير، ونجح بتلك الوثيقة حتى أنها بقيت دستورا إسلاميا عادلا يحتذى به ويطبق وينجح على مر العصور، وفي مختلف البلدان والأمصار، وتم تطبيقه من قبل الخلفاء الراشدين والخلافات الإسلامية فيما بعد، فنجح هذا النظام مثلا عندما تم فتح بيت المقدس وعند فتح مصر وكذلك فيما بين النهرين وبلاد فارس والمغرب العربي والأندلس، فكيف به لا ينجح بين مسلمي السودان ومسيحيي الجنوب ودارفور والأقليات هناك.
فكما ينجح الشريرون في التخبيب والإيقاع بين أفراد الجماعة في قريتنا أو قبيلتنا أو منطقتنا، وكما ينجحن الشريرات في الإيقاع والتخبيب بين المرآة وزوجها، بكلمات قد يبدو للوهلة الأولى أنها من محبة ومودة، فتتكاثر حالات الخلع والطلاق، والتخبيب يتم ايضاً في نقد عمل الفرد ووظيفته، فيتركها إلى أن يصبح عاطلا أو عاطلة بلا عمل، بسبب كلمة خبيثة مما يشبه الصديق أو الصديقة.
وما ينطبق على الأفراد هنا أصبح ينطبق على الدول الكبرى، وهو ما تفعله في الدول النائمة النامية.
عبد الرحمن عون.