(الفهم عن الله بالله )
عندما نقرأ الآية الكريمة : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) .
موضوع اليوم هو كيف نفهم عن الله سبحانه من خلال آياته التي نتلوها وغالباً ما نلجأ لكتب التفاسير لكي نفهم معنى آية مرَّت علينا ، وقد أمرنا الحق بتدبر كتابه وآياته حقَّ التدبر .
نجد في هذه الآية بأنَّ الحق سبحانه بدأ الآية بكلمة : ( إذا ) ولم يستخدم كلمة : ( إن سألك عبادي ... ) فلماذا استخدم الحق جلَّ جلاله كلمة إذا بدل إن ؟؟؟
ونرجع للغة العربية فنجد بأنَّ الكلمتين هما أداة استثناء بدءاً ، ولكن لكل منهما وظيفة ومكان وزمان لاستخدامها وأدقُّ من يستخدمها هو خالقها جلَّ شأنه ، ونجد بأنَّ : ( إذا ) تفيد حتميّة حدوث الشيء المذكور إذا تحققت شروطه ، ومن خلال تدبر هذه المعاني قمت بمراجعة لجميع الآيات التي تبدأ بكلمة : ( إذا ) فوجدتها جميعها على الإطلاق حتمية الحدوث وهي آيات كثيرة جداً أذكر بعضها لتوضيح الدلالة .
: ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ...) والموت حتميُّ الحدوث .
: ( وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ...... ) وطلوع الشمس وغروبها أمر حتمي يومي .
: ( فإذا انسلخت الأشهر الحرم ...) وانسلاخها حتمي الدوث .
ولاحظت أيضاً دليلاً يؤيد ما أقول بأنَّ جميع الآيات التي تتكلم عن قيام الساعة واليوم الآخر تبدأ بكلمة : ( إذا ...) ولأنها حتمية الحدوث أيضاً .
: ( إذا الشمس كورت ..... )
: ( إذا زلزلت الأرض زلزالها ...) وهكذا جميع الآيات .
وأما استخدام كلمة : ( إن ) فهي كثيرة أيضاً ولكن لها معنى آخر فهي تفيد القلّة على عكس إذا وتفيد الشاذ من الأصل مثل هذه الآية : ( إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً ...) وهنا قد جمع الله سبحانه بين حتمية الحدوث : ( إذا ) وبين ماهو قليل بالنسبة للأكثرية ، فالخير هو المال الكثير والذين يتركون أموالاً كثير هم قلة بالنسبة لتعداد السكان لذلك نجد دقّة القرآن الكريم في توصيف الكلمات لتعطي المعنى المراد .
وهناك آية أخرى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً ....) وليس من المنطق أن يقوم شخص عاقل بإعطاء ماله لسفيه أو ضعيف لا يقدر على سداده فهم قلة بالنسبة للمعاملات المالية والديون .
ونعود إلى صدر الآية التي بدأنا بها فهمنا بأنَّ الله تعالى أراد منّا أن نفهم حتمية الإجابة ولا نقنط بل وزادنا في اليقين بحيث قدَّم الإجابة على سؤال العبد فقال : ( أجيب دعوة الداع ... ) والمعنى بأنَّ الحق يقرُّ على ذاته العلية بأنه سوف يجيب الداع إذا دعاه وحقق الشرط فشرط الإجابة الدعاء .... سبحانك وجلَّ شأنك تخلق وتعطي وتهب .
ولكي نقرأ القرآن الكريم بتدبر علينا أن نقف ونفكر ونتساءل عن مثل هذه الكلمات فهي رموز وإشارات كما قال الله تعالى : ( منه آيات محكمات وأخرى متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه وما يذكَّر إلا أولوا الألباب ) والقرآن الكريم بلسان عربي مبين وكلمة مبين أي لا يحتاج إلى تفسير بل يحتاج إلى عقل منير بذكر الله فقط .
اللهم اجعلنا ممن يفهمون عنك وارزقنا من خير ما رزقت به عبادك المقربين من بساط الرضى والنور والحكمة وأن آخر دعوانا الحمد لله رب العالمين وصلاة الله العظيمة الدائمة على من نزل القرآن على قلبه وعلى آله وسلم .
بقلم 🖋️ البتول جمال التركي