شعور الغُربة العظيم لا ينطبق على من طال غيابه عن دياره لطلب الكلأ أو العلم..
الغربة كُربة كما قيل.. الوحشة في مكان لا تسمع سوى صدى أفكارك يُرَد إليك عبر الزوايا الفارغة، والممرات التي لا تصل بك إلى مكان.
تعرف الطريق جيدًا لكن ما تراه لا يشبهه.. يتراءى أنه هو
شعور الاغتراب في ظرف المكان يبقيك تائهًا ضائعًا لا تسعك جنبات الأرض رغم مساحتها الشاسعة.
بحرٌ أُجاج يضرب موجه معقل التنهيد في فؤادك؛ ساكنٌ لا تميزه، طريق طويل محفورة به خطوات قدميك تنحته كلَّ يوم
أما عن اغتراب الزمان!!
حيث تجد أنك في زمانٍ غير زمانك.. مع بشر لا يشبهونك في شيء خلا عينين وأنف.. بل على العكس
أنوفهم طويلة تحشر نفسها في كل زاوية منك لا تقوى على الفرار، مولودٌ في حقبة زمنية لا تنتمي إلى طبيعتك، عالقٌ بين طائشٍ وحكيم.. شابٌ وكهل.. مُحبٌ للحياة زاهد.
تجلس في المقعد الأمامي من الصفّ لتتنبه فجأة أنك المعلم، أو تلعب الغميضة من الصبيان في الحي ثم تفهم أنك تمسك بعصا لتؤدبهم!
شابٌ يانع ينشد الفتيّة ابنة الجيران ليُصدم حين يطرق بابها أنها جدّة، رحلة في البريّة مع عصبة من شباب يافع تجعلك تدرك أن ظهرك لا يسمح لك بالركض معهم.
التراث في متاحف الذكريات تؤكد لك أن الزمان ليس زمانك، كيف هذا!!
لقد كنت هنا منذ برهة
كل مايبقيك على قيد الحياة محاولات..
فقط محاولة للبقاء.. للإندماج.. للموازنة بين ثبات قلبك وانهيار العالم من حولك.
محاولات كي لا تصبح مغتربًا في عالم غريب أتيت إليه رغمًا عنك.
وودت لو أنك كنت فيه.
شذى عزوز
سيدة الميزان