قد يستغرب البعض من عنوان هذه القصاصة ولكنني وجدت علاقة وطيدة وتشابه شبه تام وتقابل مثير للجدل بين فصول السنة وتغير المناخ وبين حياة الحبّ وتقلباته ، فالحبّ مثل فصول السنة يتقلب به الإنسان ، فإنه قبل أن يكون حبيباً أو محبوباً فإنه يكون بارد المشاعر ولا يجد من يرفع حرارة مشاعره وهكذا فصل الشتاء بارد ويحتاج إلى مصدر حراري للشعور بالدفء ، والشعور بالحب هو فرح ومرح وسعادة وغبطة وألوان وبهجة ، وكذلك فصل الربيع فيه تتفتح الأزهار وتكتسي الأرض بألوان شتى وتعلوا أصوات الطيور فتملأ الأرض بالحركة والبركة ، ثمَّ ترتفع وتيرة الحب وتزداد حرارته حتى يشكو الحبيب من نيران الشوق وهي تلتهب في قلبه فيشكوا للحبيب حرارة نار الشوق وكذلك فصل الصيف يلهب الأرض بحرارة الشمس ، ويأتي فصل الخريف فتهبُّ الرياح الشديدة والعواصف المفاجئة فتسقط أوراق الشجر بعد أن أحرقتها حرارة الصيف وحولت لونها الأخضر إلى اصفرار محزن وعندما تهب الرياح فإنها تأخذ معها كلَّ ماهو خفيف مثل أوراق الشجر وغيرها فتبقى الأشجار بلا ألوان ويبقى ساقها وجذورها حتى يأتيها المطر من جديد فتحيا وتخضّرُّ أوراقها .
إنَّ تعاقب الفصول على المناخ هو عينه تقلب الحب في القلب ، وهذا مقام في الحب ويسمى مقام حبِّ القلب ، وهناك مقام آخر يسمو فوق حب القلب وهو حب الروح وكما أنَّ الروح لا تخضع لقوانين الجسد والقلب فالجسد يحتاج إلى الغذاء والراحة والنوم فهو من تراب وغذاؤه من تراب لأنَّ : كلَّ مافوق التراب ترابُ ...كما يقال ، وأما الروح فإنها لا تحتاج إلى طعام أو نوم لذلك لا يسري عليها نظام الفصول والتقلب فإذا تمّكن الحب من الروح فإنه يبقى ثابتاً لا يتغير ومثال ذلك سيدنا بلال بن رباح رضي الله عنه كان يُعذَّب عذاباً شديداً من أجل كلمة لو قالها لرفعوا عنه العذاب ولكن عندما تمكن الحب منه ووصل إلى روحه ماعاد جسده بذا أهمية مهما لاقى من عذاب فكان يقول : أحد ... أحد... أحد...
وهذا هو حب الروح هو فناء نفس المحب في المحبوب فلا يرى غير حبيبه وينسى نفسه ، وليس معنى فناء النفس هو موتها بل تفضيل وتقديم المحبوب على حظوظ النفس ومتطلباتها ، ألم يأتِ بالحديث الشريف أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : " والله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبُّ إليه من أهله وماله وحتى نفسه " وهذا مقام الإيمان لا يكتمل إلا بمحبة الرسول وتفضيل حبه على النفس وهذا مرقى صعب وليس سهلاً لاختبار صدق الحب مثلما جاء في حديث الصيام : " كلُّ عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا أجزي به " فالصيام هو شقاء وعناء وجوع وعطش للجسد والنفس ، وهذا اختبار آخر لصدق المحبة وفناء حظوظ النفس وتقديم أمر الله على حقوق النفس .
ويروى أنَّ قيس مجنون ليلى في أول عهده بها كان يحتال لمعرفة بيتها وكان يرافقها كلب وفي ذات مرة رأى الكلب لوحده يهرول فأراد أن يمشي وراء الكلب ليعرف بيتها وصادف أنه مرّ من أمام جماعة يصلون الفرض في الشارع فمرَّ من أمام الإمام وأكمل طريقه ليلحق بالكلب ، ولما رجع قيس أمسك به الذي كان إماماً بالمصلين وقال له : أنت قطعت علينا القبلة ونحن نصلي وأنت لم تصلي معنا يازنديق فقال له قيس : والله مارأيتكم لشدة هيامي بليلى ولو كنتم تحبون الله كما أحبُّ ليلى لما رأيتموني .
وحب الروح باقٍ لا يتغير ولا يتبدل ولا يعترف بهجران ولا بعد ولا وصال بل هو راسخ بكل الأحوال بخلاف حب القلب الذي قد يتلاشى بالبعد أو يتغير بكلام .