نتحدث مع الاصدقاء في مجالسنا عن سرعة التغيرات وتوالي الاحداث برتم أسرع من السابق وسابق السابق وأصبحنا في حالة تشبه الذهول ان لم تكن هي ذاتها، كبار السن يدركون هذا التسارع العجيب أكثر ، بينما يخف هذا التسارع ويتلاشى لدى الشباب وكلما كان عمر الشخص أصغر، لكنها واقع نعيشه وعلينا تقبله والتعايش معه ومجاراته.
الحياة بطبيعتها متغيرة باستمرار واستحالة بقاء الحال لانه محال، ولنا في تغير الفصول وتبدل الليل والنهار عبرة.
الطفل يكبر والشاب يدخل في مرحلة الشيخوخة، والشيوخ ربما إلى عجز وهرم، ومآل الجميع (بدون ترتيب لعامل السن) الانتقال إلى الدار الآخرة.
الحياة تنموا وتكبر وتزداد وتنقص، وهذه سنة الله في الكون{ولن تجد لسنة الله تبديلا}.
علينا التكيف مع الواقع لا رفضه؛ لأن ذلك متعب وشاق، ولن يجدي سوى الشقاء والتعب، ومن الخطأ السير عكس اتجاه التيار، ليس شرطاً أن تسير مع التيار تماما لكن عليك مسايرته وفق ما يتناسب معك ويروق لك دون الولوج في خضمّه فيجرفك الى حيث لا تريد، وتفقد وجهة البوصلة فتصبح في متاهة ولا دليل او منقذ ينقذك.
كنت قد غادرت قريتي مبكرا نوعا ما، فأتاني اللوم و(المنقدة) ليس من العائلة والأهل فحسب، بل تعداه إلى الجماعة قبل الأهل، فكيف أغادر قريتي وأهرب إلى مدينة منفتحة (جدة) فيها كل ماهب ودب وتختلف في عاداتها وتقاليدها وأعرافها عن قريتنا وأهلها(المدن) الذين لا يزرعون ولا يحصدون ويديسون ويذرون ولا يرعون المواشي والاغنام.
فتحت (عزبتي) في حي الجامعة، وهي مضافة لمن تضطره ظروفه (من جماعتي)للعلاج أو لشراء الاسمنت أو من يختلس نفسه مع زوجته وياتي لشراء بعض (المقاضي) من جدة ، (كان من يصحب زوجته معه إلى المدينة أو إلى السوق عيبا في عرفهم)، هذه (العزبة) التي كانت سببا في نيلي رضى البعض ومودتهم! وخفف من جام غضبهم واستنكارهم فترة مؤقتة، إلى أن سافرت إلى خارج الوطن (القاهرة) ذات مرة، وإذا ببعض الجماعة يحذر أبناءه من الجلوس معي بل وحتى مجرد الكلام، لأنني أُعتبر في نظرهم خارجا عن القانون.
تغيرت الحياة -رويدا رويدا- كنتيجة حتمية لتطور وسائل المواصلات وطرق السفر والسيارات فكثر المسافرون، وخفت المقاطعة تدريجيا حتى انتهت (ولله الحمد) مما مكنني من الزواج (بعد دفع حصيلي وما جمعته طول سنوات) وأنجبت وبنيت بيتي وسافرت بزوجتي وأطفالي في رحلة الى أوروبا وأمريكا، فعرف والدي بسفري (الخلسة) عن طريق البعض فأوغروا صدره عليّ، فقاطعني أشهرا لدرجة أنني لم أجرؤ على زيارته أو مقابلته إلا بعد وساطة ودخالة وشفاعة من اخته (امي بالرضاع) وزوج أخته الكريم الطيب الذي أحببته وأحبني من صغري (رحمه الله)، فقبلت رأسه ويديه ورجليه وأعلنت توبتي النصوح ارضاء له (حفظه الله)، إلا أن الهجرة استمرت من القرية والريف الى المدن وأصبح الأمر طبيعيا والزاميا وتفككت كل القيود، فلم يعد السفر لربوع بلادي عيبا بل أصبح لا يلبي الرغبات والمطالب والاحتياجات، حيث أصبح شهر عسل العرسان في خارج الوطن طبيعيا بل إنه من المسلمات.
مؤخرا وقبل بضع سنين قال لي أحد أبناء العمومة (وقد بلغ من العمر عتيا) وبعد تقاعده واقامته في مكة وبلهجة الاعتذار وطلب السماح: لقد سبقتنا بسنوات ورزقك الله وتميزت علينا وكنت انا مع بعض من يسخر منك ويلومك وقال فيك وتقول عليك!!!!!.
لم تكن في ذلك الوقت المرأة هي الوحيدة المظلومة في مجتمعنا، فقد كان الظلم والظلام يسيطر على الجميع بمن فيهم الآباء والأجداد نتيجة عدم تغيير الأفكار وتقبل الجديد، وتفتيح العقول والقلوب واستيعاب الزمان وقبول تغير المكان، والاندماج مع الناس والشعور بالانسانية.
تتغير الازمان ويمكن ان يكون بالامكان للمرأة دورا في هذه الحياة؛ فأصبح الرجال هم من يطالب بالتمكين، فلكل زمان أمرأة ومكان.