انتقلت إلى رحمة الله خالتي شريفة، ابنة قرية (الشينة)، وابنة الشيخ الجبل الأشم سعيد بن مريع بن عباس، وأخت الخال الشيخ عبد الله، والخال يحيى، ووالدة الأخ عبد الرحمن والأخ عبد العزيز أبناء الشيخ الجليل عبد الله بن حامد، شيخ قبائل علكم.
رحلت عن دنيانا في مدينة الرياض بالأمس، وهي من تعدت سنوات عمرها التسعة عقود من البياض.
رحلت مطمئنة بمنتهى الهدوء، ودون أن تكلف على أحد، فكأنها مسافرة جمعت حقائبها منذ زمن بعيد، وهي تهتدي للطريق، وتثق بالسائق، وتعرف بشرى وهدايا محطة المنتهى.
رحمها الله صاحبة الوجه الأبيض، الذي يشع بالنور، ويعج بالابتسام، وصاحبة القلب السمح، الذي لا يعرف السوء، ويمنح السلام لكل أرجاء الكون، وزواياه.
تسعون عاما مرت عليها وهي تمتلك روح طفلة بريئة، تجري حافية بين قمم الخضار وتنزل إلى السهول والأودية وما تحت مستويات الأرض، فعرفت القرية، وعرفت المدن، وعرفت حياة القصور، وعرفت تجمع الأحبة والأبناء والأحفاد، وعرفت الفقد.
تسعون سنة، تحكي كل سنة منها حكايات وتاريخ، وتشرح ظروف، وتعج بمناطق الفخر، وتعرف لحظات الخوف، والمرض، وكل ما يعرفه البشر في حياتهم، ولكنها ظلت تلك الإنسانة الأبية، التي تنظر لكل من حولها، فتكون دوما هي الأكبر، والأطيب، والأكثر سماحة، وغفران ورحمة.
رحمها الله، ورحم شقيقتها الكبرى والدتي، نورة التي كانت لها مثلا أعلى، وكانت تشابهها في نمانم ملامحها وحركاتها.
رحمها الله، فقد غادر الدنيا والدها، وتبعه أخوها الكبير علي، ثم والدتها فاطمة، وبعدهم شقيقتها والدتي، ثم أختها صافية، وأختها صالحة، وقد غادر الكثير من حولها، وهي ثابتة على الوعد بيقينها تنتظر، وتترحم على كل من يغادر.
رحمها الله، ما أجمل حكاياتها، وما أصدق كلماتها، وما أبسط ضحكتها، عندما تطلقها بحياء، وكم تضع كفها على فمها، وهي تميل بعنقها إلى الجانبين، تدليلا على أنها بلغت قمة سعادتها من منظر شاهدته، أو كلمة قيلت لها، أو ذكرى طرت على مخيلتها، التي استمرت تعيش بها لأخر يوم في حياتها.
المعزون اليوم يتزاحمون في قرية الشينة بالقرب من مدينة أبها، ووفود المعزين تتقاطر من بقية القرى، وفي أجواء حميمة باردة، تزيد من صور الجمال والتلاحم الحزين، والكل يلهج لها ولأسلافها بالدعاء، ويظهرون توادا وتراحما يزيد الأنفس محبة في يوم توديعها، وتأبين ذكراها.
رحمها الله ورحم موتانا وموتاكم أجمعين.
1 comment
1 ping
nafooo
01/01/2020 at 1:31 ص[3] Link to this comment
رحمها الله رحمة واسعة واسكنها فسيح جناتك وإبدله بدار خير من دارها
وإنا لله وإنا إليه راجعون