قبل سنتين من الآن ( لا أعادها الله تعالى ) هجمت على الكرة الأرضية عدوى تسمى كورونا ، واستعدَّ الجميع بأخذ الاحتياطات خوفاً من تلقي العدوى ، حتى كنَّا نتباعد في الأماكن العامة تحرزاً من الإصابة .
والعدوى بشكل عام لها وجهين الأول هو العدوى المادية من شيء ما مثل الكورونا وأخواتها الخطيرة ، والوجه الثاني عدوى معنوية وهذه تتبع طباع الإنسان وهناك أشياء كثيرة تثير العدوى في أيِّ مجتمع إنساني ومنها العدوى الإيجابية والعدوى السلبية ، والسلبية كثيرة جداً نعيشها يومياً ونراها وقد اصطلح على تسميتها (عدوى القطيع ) مثل التقليد الأعمى لكلِّ ماهو قادم من الغرب مثل الثياب المقطعة وقصَّات الشعر الغريبة ، وخروج رجال تعدوا الأربعين والخمسين من العمر بالبنطال القصير جداً الذي لا يرتديه إلا ببيته يخرج به أمام الناس وبالأسواق أيضاً ، وكلُّ هذا تشبهاً بالغرب ، وياليتنا نشتبه بعلمهم أو بعاداتهم الحسنة ، إنها عدوى القطيع لكلِّ ماهو سطحي وتافه ،وهناك عدوى أخطر بكثير تمسّ جيلاً أو أجيالاً وهو قيام الأب أو الأم بالشتائم أمام أطفالهم فيتعلم الأطفال هذا الأسلوب لأنها العدوى ويظنّ الأطفال بأنَّ هذا الأسلوب هو الطبيعي فيخرج هؤلاء الأطفال إلى الشارع والمدرسة والشتائم سلاحهم في الدفاع عن أنفسهم .
وبالمقابل هناك عدوى أخرى إيجابية كأن نرى أحداً أو مجموعة من الناس يساعدون مرضى أو فقراء فتتحرك في الرائي غيرة العدوى فيقوم بمساعدتهم ، وأردتُ أن أقول : لا مانع من تلقي العدوى ولكن العدوى المفيدة التي ترفع من قيمة الإنسان في المجتمع ، والابتعاد عن العدوى التي تشوه الإنسانية ولا يوجد فائدة من تقليدها بل قد تكون غالباً فيها افتقار للذوق العام .
الجيل القادم على مفترق طرق والمسؤول عن توجههم الجيل الذي يشرف عليهم ، فإذا لم يأخذ جيل الإشراف بُعد النظر في مستقبل الجيل القادم فإنَّ ذلك الجيل سوف يكون نتاج إهمال وعدم اهتمام من جيل الإشراف ، ولا يقول لي أحد : هذا الجيل لا يسمع الكلام .... لأنني أقول : ليست العلّة في الجيل القادم ، بل العلَّة في أسلوب التوجيه ، فما كان الأسلوب المؤثر ينفع ويؤثر قبل عشرين سنة فقط لم يعد أبناء هذا الجيل يقنعهم ذاك الأسلوب فهم بحاجة إلى اختراع أسلوب جديد يناسب حداثة زمنهم وإقناعهم بالحجة والدليل والمنطق ، ثمَّ ترك مساحة لحريتهم الشخصية بممارستها لكي يتعلمون من أخطائهم ، لأنَّ أغلب الآباء والأمهات يرغبون في تجنب أبنائهم الأخطاء التي مرّوا بها في حياتهم ، وغالباً ما تكون هذه التوجهات الأبوية هي السبب في وجود ثغرة في التقارب بين الجيلين .
ومن لم يتطور في تفكيره وأسلوبه لن يستطيع أن يكون موجهاً للجيل القادم بل سوف يفشل فشلاً ذريعاً ويتهم أبناء الجيل القادم بأنهم لا يسمعون الكلام أو التوجيه .
بقلم 🖋️ البتول جمال التركي