قبل سنوات كنت استاذا للقانون والنظم السياسية في جامعة محمد الخامس في الرباط ،وفي كافتريا التدريسيين في كلية الحقوق قالت لي استاذة زميلة من المغرب العزيز وكعادة المغاربة في التهذيب واللطف اريد ان اعرف منك ونحن المغاربة نستمع ونحب اغاني ناظم الغزالي هل ان جسر المسيب بحجم قنطرة الرباط الكبيرة الذي تغنى به الغزالي وما حكاية ميحانة؟
قلت لها أن الغزالي رحمه الله قد خلد في أغنية ميحانة جسر المسيب بما تعجز عنه كل الكتابات فالجسر يا سيدتي يقع على مجرى نهر الفرات ويقسم بلدة صغيرة اسمها المسيب تقع بين محافظتي كربلاء وبابل وهو جسر أو قنطرة حديدية لا اكثر وميحانة ليست إلا صديقة لفتاة عراقية تقطن بالقرب من الجسر في قرية فلاحية على ضفاف النهر ومثل كل نساء الريف قديما يذهبن الى ضفة النهر ليغسلن الثياب وكان هناك قاربا لصياد تلوي الرياح يمر بقربهن كل يوم ويغني بصوت عذب وشجي كلما مر من أمام تلك الفتاة التي أعجبت بصوته وتنتظره مع صديقتها ميحانة وسارت الامور على هذا المنوال ولما انقطع القارب وصاحب الصوت الرخيم عن المرور كالمعتاد وافتقدنه حيث انه قد غرق ومات قبل ايام في النهر، فسالت الفتاة صديقتها، ميحانة ،ميحانة غابت شمسنا الحلو ما جانه!! حيك بابا حيك،الف رحمة على بيك، هذولة عذبوني وعلى جسر المسيب سيبوني..
تذكرت الاغنية والبروفسورة المغربية الراحلة الكبيرة استاذة علم الاجتماع البارزة فاطمة المرنيسي رحمها الله وانا استمع لخطبة مسجلة لخطيب الجمعة في احد مساجد مدينة المسيب ينشج نحيبا ليصرخ الله اكبر لم يبقوا لنا شيئا في العراق إلا وسرقوه حتى جسر المسيب!فككوه !!
وهذا الجسر الصغير شيد في مطلع ثلاثينات القرن الماضي ولكنهم سرقوا حديده وفولاذه!!
نعم بعد ان سرقوا ما قدرته صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية بحدود ترليون دولار لم يترك لنا هؤلاء السراق واللصوص حتى ذكريات عذبة للشعب العراقي والعربي مثل جسر المسيب الذي طارت شهرته الافاق بفضل الغزالي والذي لو بقي حيا لبكاه دما وناحت معه ميحانة وصديقتها وكل عراقي محب لوطنه.
سلاما عليك يا عراق وعلى شاطئيك اللذين يقتلهما العطش وسلام على النخل ذي السعفات الطوال، والله غالب على أمره.
* كاتب واكاديمي من العراق