إن من النعم العظيمة والفضائل الجسيمة التي كفلها الإسلام ودعا إليها مراعاة وتقدير كبار السن ومعرفة حقوقهم وأداؤها وضرورة التأدب معهم.
فكبار السن هم من يعطون لهذه الحياة معنى وطعمًا ومذاقًا خاصًا.
وتعد مرحلة الشيخوخة أو كبر السن تمام النضوج والخبرة المتراكمة التي تسهم في التعرف على أسرار الحياة ومدى التأقلم مع أحداثها فرحًا أو ترحًا، فالإنسان كما نعلم يمر بثلاث مراحل: مرحلة الطفولة ومرحلة الشباب ومرحلة الشيخوخة، وقد عبّر القرآن الكريم عن ذلك في قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾ [الروم: 54].. فهكذا يولد الإنسان طفلاً لا يعلم شيئًا، فيكتسب المعارف والمهارات من بيئته المحيطة، ثم يترعرع فيصير شابًا قويًا متحكمًا في شؤونه، ثم يكون كهلاً يغطي الشيب رأسه، وتظهر عليه تجاعيد الوجه والشيخوخة، وهذا بلا شك هو قدر الإنسان، يقول تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ [النحل: 70].
وعند بلوغ الإنسان مرحلة كبر السن، دعا الإسلام إلى معاملته بإحسان واحترام وتقدير، حيث جاء في الحديث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا فَلَيْسَ مِنَّا" رواهُ أبو دَاودَ. وثَبتَ عَنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: " إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ" رواهُ الإمامُ أَحمدُ.
إن إكرام ذي الشيبة من إجلال الله عز وجل ومن موجبات التقرب إليه سبحانه، فبتقديرهم وإكرامهم والإحسان إليهم تتضاعف الحسنات والأجور والثواب.
ويعظم هذا الأجر ويكبر إذا كان ذي الشيبة من الأقارب، فيكون له حق القرابة وحق كبر السن، وإذا كان جارًا فله حق التوقير والإحسان علاوة على حقه في الجوار، وإذا كان مسلمًا فله مع حق كبر السن حق الإسلام، وإذا كان الكبير أبًا أو جَدًّا فَالْحَقُّ يكون أعظم، بل إذا كان المسن غير مسلم فله حق كبر السن، إذ إن الشريعة جاءت للحفاظ على حق الكبير حتى ولو لم يكن مسلمًا فهذا عمر رضي الله عنه رأى شيخًا يهوديًا يمد يده للناس ويطلب منهم المساعدة فقال له عمر : مَا أَلْجَأَكَ إِلَى مَا أَرَى؟ قَالَ الْيَهُودِيُّ: فَرَضْتُمْ عَلِيَّ الْجِزْيَةَ وَأَنَا كَبِيرُ السِّنِّ لَا أَسْتَطِيعُ الْعَمَلَ لِأُؤَدِّيَ مَا عَلَيَّ، فَلَجَأْتُ إِلَى مَدِّ يَدِي إِلَى النَّاسِ، فَرَقَّ لَهُ عُمَرُ وَأَخَذَ بِيَدِهِ، وَذَهَبَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَعْطَاهُ مَالًا، وَأَمَرَ بِإِسْقاطِ الْجِزْيَةِ عَنْه وَقَالَ: "وَاللهُ مَا أَنْصَفْنَاهُ، أَنْ أَكَلْنَا شَبِيبَتَهُ، ثُمَّ نَخْذُلُهُ عِنْدَ الْهَرَمِ"، وَأَسْقَطَ الْجِزْيَةَ عَنْ كُلِّ يَهُودِيِّ كَبِيرٍ فِي السِّنِّ.
وهكذا تبين هذه النصوص مدى تقدير الإسلام لكبار السن، فالواجب علينا أن نحرص على اتباع ديننا في احترام كبار السن وتقديرهم وإنزالهم المنزلة الرفيعة التي أنزلهم إياها رب العز والجلال، ولاسيما الوالدين فمفاتيح الجنان منعقدة ببرهم واحترامهم وفي الحديث (رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلم يدخل الجنة). رواه مسلم.
وللأسف في عصرنا الحالي نجد البعض قد اتجه اتجاهًا خطيراً في التعامل مع الوالدين بلغ حد المجافاة، وبخاصة إذا بلغا من العمر عتيًا، بل قد يصل حد الوقاحة ببعضهم أن يودع أباه دارَ المسنين والعجزة ليتخلص من كثرة كلامه وثرثرته زعماً منه، متناسيًا دوره في تربيته وتنشئته وكيف صبر عليه وهو صغير إلى أن بلغ مرحلة القوة والعنفوان! فهل هذا جزاء الإحسان؟
ولكن عاقبة هذا الجحود والنكران سيرتدان عليه وسيكونان دينًا يدفع ثمنه غاليًا حين يذوق من الكأس نفسها التي أذاقها لوالديه، كما أن عقوبة العاق لوالديه تكون هنا في الدنيا قبل الآخرة: عَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «اثْنَتَانِ يُعَجِّلُهُمَا اللهُ فِي الدُّنْيَا: الْبَغْيُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ».
ولهذا يجب تقدير كبار السن ولاسيما الوالدين بالإحسان إليهما و برهما وإدخال السرور عليهما فإنهما مفاتيح الجنان والقناديل التي تضيء لنا عتمة الطريق.
- 07/05/2024 الهلال يتجاوز الاهلي في الكلاسيكو
- 05/05/2024 معرض المنتجات الوطنية السعودية ينطلق 13 مايو الجاري في دولة قطر بمشاركة 80 شركة سعودية
- 05/05/2024 منتدى الاستثمار البيئي 2024م ينطلق غدًا في غرفة الشرقية
- 04/05/2024 حلبة النار”.. تجمع أبطال الوزن الثقيل.. وتجذب أنظار العالم إلى الرياض
- 02/05/2024 الأكاديمية السلطانية للإدارة تسهم في تعزيز الجاهزية المستقبلية ونقل المعرفة لمؤسسات التعليم العالي بسلطنة عُمان ودول الخليج العربي
- 01/05/2024 كرسي أرامكو للسلامة المرورية يطلق دورة تدقيق سلامة الطرق بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل
- 30/04/2024 الوزير الفضلي يشهد توقيع (10) اتفاقيات لتطوير استخدامات المياه المجدّدة ودعم الحلول التقنية والابتكار واستدامة الإنتاج الزراعي بالمملكة
- 28/04/2024 وزارة الرياضة تشارك في واحة الإعلام بالتزامن مع استضافة المملكة لأعمال الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي
- 24/04/2024 توقعات ان يصل سوق الولاء في المملكة الى أكثر من 1.6 مليار دولار خلال اربع سنوات
- 24/04/2024 140.7 مليون دولار أمريكي إجمالي التكاليف الاستثمارية لشركات الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي في المملكة المغربية
بقلم /عبد العزيز بن محمد أبو عباة
ليس منا من لم يوقر كبيرنا
Permanent link to this article: https://aan-news.com/articles/250180.html/