لا تزال الديوانيات في المملكة العربية السعودية وخصوصًا في مدينة الرياض تمثل موروثًا أصيلًا ووجهًا حضاريًا يعبر عن عمق المجتمع وتماسكه فهي ليست أماكن للقاء وتبادل الأحاديث فقط بل مدارس للمعرفة ومنابر للحوار ومرايا تعكس القيم الاجتماعية والإنسانية في أبهى صورها.
لقد كانت هذه المجالس – على مر الأجيال – ميادين رحبة يجتمع فيها الناس لتداول الرأي وتبادل الخبرات، واستضافة العلماء والأدباء والمفكرين، في أجواء تسودها الألفة والاحترام وهكذا تحولت الديوانيات من جلسات تقليدية إلى فضاءات ثقافية وإنسانية أسهمت في صياغة الوعي الجمعي وترسيخ القيم الأصيلة التي يقوم عليها المجتمع السعودي.
وفي الرياض على وجه الخصوص برزت ديوانيات ارتبطت بالذاكرة الثقافية للمدينة وأصبحت معالم بارزة في مسيرتها الفكرية والأدبية مثل ديوانية آل حسين التي يزيد عمرها على قرن كامل وديوانية وثنينية الذييب وثلاثية السديري وندوة الشيخ عبد الله العقيل وخميسية الجاسر وندوة الوفاء وثلوثية الشيخ علي المهيدب للثقافة والأدب. وقد جمعت هذه الديوانيات بين التاريخ والفكر والأدب وأسهمت في إثراء المشهد الثقافي للعاصمة التي استطاعت أن تمزج بين الأصالة والمعاصرة.
ولم يكن حضور الأدب والشعر في هذه المجالس أمرًا عابرًا بل كان جزءًا أصيلًا من هويتها حيث كان الشعراء يلقون قصائدهم وتُروى الحكم والأمثال وتتلاقح الأفكار فتغدو الديوانيات بمثابة مكتبات حيّة تحفظ التراث وتضيف إليه وتؤكد أن الكلمة المنطوقة في مجلس قد تعادل كتابًا في أثرها وخلودها.
واليوم ومع انطلاقة رؤية المملكة 2030، يظل لهذا الموروث مكانة متجددة، إذ يمكن أن تسهم الديوانيات في دعم الحوار الوطني وتوثيق الذاكرة الاجتماعية وإيجاد مساحات للتواصل بين مختلف الأجيال فهي ليست صفحات من الماضي تُطوى بل جسور ممتدة إلى المستقبل تثبت أن الثقافة السعودية قادرة على الجمع بين الحداثة والجذور العميقة في تناغم فريد.
إن استمرار هذه الديوانيات وبقاء أثرها مرهون بقدرة الشباب على حمل رسالتها وتطويرها فهم الامتداد الطبيعي لهذا الإرث العريق، وبهم تظل ديوانيات الرياض نابضة بالحياة شاهدة على أن الحوار والمعرفة والأنس قيم لا تموت بل تتجدد مع كل جيل وتبقى زادًا للأمة في مسيرتها نحو المستقبل.

