إن كل لحظة منفردة. وفيها شق مكتمل وآخر ناقص، والفردانية مبدأ يعني المسؤولية الفردية في التعامل مع كل لحظة بانفراد…
واكتمال اللحظات يعني نظرنا إلى الجوانب المكتملة فيها، ليس بالضرورة أن تحتوي كلُّ لحظة على ما نريد؛ ولكن علينا أن نُسلّط النظر على الجانب المتماسك فيها، فنرى ما تحقق وما يستحق الامتنان. حين نفعل ذلك، تتصل لحظاتنا المكتملة ببعضها، لتناغم ذبذباتها، فتُشكّل حياةً تفيض بمعانٍ متجانسة.
على عكس ذلك ، حين يعتمد الشخص على رؤية النقص؛ فإنه يُبدي اهتمامًا بما يفتقدُه الحاضر، وبهذا تُصنّف لحظاته ناقصة، فتتردد تلك الصفة في تردداتٍ مشابهة من اللحظات الأخرى. وبهذا تصبح حياته سلسلة من النقص تُنتج المزيد من الفراغات. فالفرق إذن ليس في الحدث نفسه، بل في الزاوية التي نراه منها.
تخيل صباحًا بسيطًا: كوب قهوة، شمس خفيفة، وحوار سريع مع شخص عزيز. إن رأينا هذا الصباح مكتملًا لأنه يحمل في لحظاته المنفردة دفء اتصال وإنجاز صغير؛ فإننا نُدخل به اكتمالًا يتسع إلى باقي يومنا. أما إن ركزنا على الطاولة غير المرتبة أو البريد المتكدس فسنغادر ذلك الصباح مثقلين بالشعور بالنقص. ومع الوقت تتراكم هذه الاختيارات، اختيار التركيز على الاكتمال يُرسي نمط حياة، واختيار التركيز على النقص يرسي نمطًا آخر.
فكيف نمارس هذا؟
أولاً، نتعلم أن نقول بوضوح ما نحن عليه الآن (من اللحظات الجميلة) كأن نقول: “هذه لحظة فيها ضحكة، إنجاز، لحظة صفاء…
ثانيًا، ندرب أنفسنا على الامتنان المختصر: كثلاث نقاط يومية نتوقف عندها ونقيمها إيجابًا.
ثالثًا، لا ننكر المشاكل، ولكن لا نجعل منها عدسة دائمة؛ نعترف بالنقص ثم نمزجه بإدراك لجانبٍ مكتمل… كأن نقول: أتعلم منه درس، تصبح لدي مناعةً أقوى، أتعلم الابتسام تحت الضغط… وغيرها
إن اللحظات هي وحدات وجودنا. فمتى ما اخترنا العدسة التي ترى الكمال، فستبدأ أقدارنا بتشكيل سياقٍ متكامل يدعو للمزيد من الاكتمال.
نحن، ببساطة، نُنتج ما نراه؛ فلننتج اللحظات المكتملة.
يمكننا أيضًا تحويل فكرة الاكتمال الفردي إلى طقوس صغيرة يومية تساعد العقل على التعلم. مثلاً:
- قبل النوم نطلب من أنفسنا تسجيل ثلاث لحظات صغيرة شعرنا فيها بالرضا، حتى إن كانت ضئيلة؛ هذا التمرين يبرمج العين على رؤية الاكتمال.
- أثناء العمل، نأخذ وقتاً ولو بسيطًا لتمجيد إنجاز بسيط؛ لنا أو لمن هم حولنا، فإن إدراك إنجاز صغير يعطى دفعة تستمر لساعات.
- وعند التواصل مع الآخرين، نحاول أن نرى ونستمع إلى جانبهم المكتمل؛ سنجد أن الحوار يتغير، وتنمو الثقة، وتتفتّح فرص الفهم. ولا يجب أن ننتظر ظروفًا مثالية لنشعر بالاكتفاء والامتلاء والكمال، بل نبتكرها بصورنا الخاصة.

