لطالما حوصرنا بين خيارين لا ثالث لهما، في عالمٍ يفرض علينا ثنائياتٍ ضيقة، فتُختزل قيمنا ومشاعرنا في عبارةٍ واحدة، او اختيار واحد، او تصنيف واحد… كل هذا لكي يبرز الفرد نفسه ضمن طبقة: “إنسان راقٍ” أو “غير راقٍ”.
فبحسب هذا القالب الثنائي تُختزل الحقيقة، فنخسر فرصَ التفكير في أيِّ بدائلٍ أخرى.
وعندما ينتقل هذا المنهج إلى مفهوم الصحة، نجد أن الأوزان والأشكال الجسدية هي في الواجهة. فيُسوَّق للرجل القوي المكتمل: بأنه هو من يمتلك جسدًا رفيعًا ومحدد العضلات، وكأنَّ صحته مرتبطة برسمٍ هندسي على بطنه وصدره. في حين أن الحقيقة أبعد من ذلك: فالقوة الحقيقية الجسدية والنفسية تكمن في (رئتيه وقلبه)، بعيداً عن تلك الصورة الجسدية، تكمن في قدرته على الصمود أمام الصعاب، وفي شجاعته التي تُسهم في تحقيق أفضل ما لديه. وقد ورد في الأخبار أنَّ بعض أقوى فرسان العرب كان يأكل أحدهم كلّ يومٍ شاةً أو أكثر، لا ليتقمصوا صورة محددة، بل لينعشوا أجسادهم بروحٍ وعزيمة. وقد قيل: (من أكل العيش، رد الجيش)…!
أمّا المرأة: فلطالما أحبَّ العرب تلك المرأة الممتلئة المتناسقة، فهي رمزٌ للصحة والجمال معًا. غير أنَّ الترويج الثقافي اليوم يميل إلى نحالاتٍ تكاد توشك أن تكون هزيلة، وهذا الانزياح لا يتوافق مع ذائقتنا العربية ولا مع مفهوم الصحة السليمة.
وبين هذه الصور المعلّبة للجمال، يندفع كثيرٌ من الرجال والنساء إلى “رسم أجسادهم” بحسب ما يُعرض في الإعلانات أو مواقع التواصل. ورغم أن العناية بالجسم أمر محمود، إلا أن التركيز على الشكل وحده قد يُغفل الاحتياج الحقيقي: فجسدٌ جميل لا يكفي، إن لم يكن قويًا من الداخل. وأن من يهتمون بمظهرهم يحتاجون لتغذية سليمة، ونَفَسٍ قوي، وتوازن هرموني، وصحة قلب ورئة ومناعة، وإلا أصبحت الأجساد كالمجسمات: يُرسم مظهرها، ويُهدم جوهرها.
إن هذين المثالين المذكورين –ربط صحّة الرجل بالمظهر العضلي، وتقليص مفهوم جمال المرأة إلى النحالة– لا يمثلان إلا نماذج توضيحية لخطورة الثنائيات في تشويه مفهوم الصحّة والجمال، وأنّ الخيارات الحقيقية متعددة ومتنوعة.
فلنحرر أنفسنا من هذه الثنائيات الضيقة، ولنحتفل برحلةٌ من التوازن، ولنتيقن أن القوة الحقيقية تكمن في ما وراء المظهر.

