تخيل أن حياتك مثل رحلة على متن حافلة. فيها سائق، وركاب مختلفون، وطريق طويل مليء بالمنعطفات والمشاهد المتنوعة.
السائق هو القائد الحكيم. هو الشخص الذي يعرف الطريق جيدًا، لديه خريطة واضحة، ويعرف متى يزيد السرعة ومتى يهدئ. يحرص على راحة الركاب وسلامتهم. لا يضيّع الوقت في الجدال أو التردد، بل يقود بثقة وعزيمة. هذا السائق يشبه العقل الذي يفكر بتوازن ويتخذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب.
في المقاعد الخلفية، هناك راكب هادئ ومبتهج. ينظر من النافذة ويتأمل في المناظر، يفرح بتغيّرها، ويجد في كل شيء درسًا. لا يقلق من المنعطفات، ولا يشتكي من الطريق. يثق بالسائق، ويشعر أن الرحلة جميلة مهما طال الطريق. هذا الراكب يشبه الجزء المتفائل في داخلنا، الذي يقدّر النعم، ويعيش اللحظة بسعادة.
ولكن… ليس كل الركاب مثله. فهناك راكب مزعج. لا يتوقف عن الصراخ، يشتكي طوال الوقت، يريد تغيير الاتجاه، ويطلب التوقف عند كل استراحة. يركض في الممر، يزعج من حوله، ويبدو أنه لا يعرف ماذا يريد، لكنه في الحقيقة يريد أن يشعر بأنه مهم. يريد أن يُسمع، أن يكون له دور، حتى لو كان ذلك بطريقة فوضوية.
قد نعتقد أن هذا الراكب عبءٌ علينا. لكن السائق الذكي لا يطرده من الحافلة، ولا يتجاهله تمامًا. بل سيمنحه دورًا بسيطًا، مثل أن يعلن عن مواعيد التوقف، أو يساعد الركاب الجدد في إيجاد مقاعدهم. وشيئًا فشيئًا، يتحول هذا الراكب من شخص مزعج إلى شخص مفيد ومهم، يشعر بالانتماء والحيوية.
هكذا تمامًا نحن في الحياة. نحن السائقون لحياتنا، ونحمل داخلنا ركابًا مختلفين: صوت العقل، وصوت الفرح، وأيضًا صوت التمرد أو القلق أو الغضب. هذا الصوت المزعج لا يحتاج إلى قمع، بل إلى استيعاب. علينا أن نفهمه، ثم نمنحه دورًا يناسبه. فبدلًا من أن نغضب منه، علينا أن نبحث عن طريقةٍ تحوله إلى طاقة نافعة.
إذا تعلمنا كيف نتعامل مع أصواتنا الداخلية، وخصوصًا المزعجة منها، فسنتحول إلى قادة حقيقيين. القيادة لا تعني السيطرة بالقوة، بل تعني الفهم والتوجيه بطريقة ذكية. فعندما ننجح في تهدئة ذلك الصوت المرتبك، ونمنحه مهمة محددة، سنبدأ بسماع صوتٍ آخر: (صوت السلام).
هذه هي حافلة الحياة: لا تخلو من التحديات، ولا من الضجيج، لكنها تصبح أجمل عندما نكون قادةً واعين، نستمع لكل صوت، ونعرف كيف نحول الفوضى إلى حيوية.

