من أسرار التواصل والاتصال(3):
(مشاركة الشعور خيرٌ من سرقته)
في عالم التواصل والعلاقات، هناك من لا يطلب الاهتمام بشكل مباشر، بل يلجأ إلى أساليب غير واعية تستهلك طاقة الآخرين وتُربك العلاقات. هذه الأساليب تُمارس دون إدراك، لكنها تنبع من حاجة داخلية عميقة للشعور بأنهم مرئيون ومسموعون. ومع تكرارها، تتحول إلى أنماط مزعجة تُحدث توتراً دائماً في المحيط.
أبرز هذه الأنماط أربعة:
1. المُضطهِد
يستخدم الصوت العالي، والتحكم، والتخويف لفرض رأيه. لا يُجيد الحوار الهادئ، بل يفرض حضوره بالقوة. يظن أنه إذا سيطر على من حوله، سيكسب الاهتمام والهيبة، لكنه في الحقيقة يخلق مسافة من النفور والخوف.
2. الضحية
يستدرّ التعاطف بعرض آلامه ومشاكله باستمرار. يتحدث عن جراحه ويُظهر ضعفه ليجعل الآخرين يشعرون بالذنب تجاهه أو يحملون عنه المسؤولية. هدفه العميق هو أن يشعر بالاهتمام والتعاطف، ولكن بطريقة تجذب الشفقة لا الاحترام.
3. الغامض
دائم التلميح، قليل التصريح. يوحي دائمًا أن لديه أسرارًا أو معلومات مهمة لا يكشفها، فيجعل المحيطين به في حالة فضول دائم. يحاول لفت الأنظار بأسلوب الإخفاء، فيأخذ من الغموض وسيلة لجذب الناس وإثارة الاهتمام.
4. المُحقق
يسأل عن كل شيء ويدخل في أدق التفاصيل في حياة الآخرين، ليس بدافع الاهتمام الحقيقي، بل لأنه يشعر أنه إذا عرف كل شيء فسيكون في موقع قوة أو قرب. قد يظهر بصورة الفضولي، لكنه في العمق يبحث عن موقع مركزي في حياة من حوله.
اللافت أن هذه الأنماط تغذي بعضها البعض:
• المحقق يصنع الغامض، وكلما سأل أكثر زاد الغموض.
• الغامض يصنع المحقق، لأنه يثير تساؤلات لا تنتهي.
• الضحية تستفز المضطهِد، لأنها تُظهر ضعفًا يثير رغبة السيطرة.
• والمضطهِد يخلق الضحية، لأنه يدفع الآخر إلى موقع المظلومية.
هكذا، تدخل العلاقات في دوائر مغلقة من التوتر وسوء الفهم، ويتحول التواصل إلى معركة خفية، لا فائز فيها.
لكن الحقيقة الأهم أن كل هؤلاء لا يفعلون ذلك عن سوء نية، بل بدافع لا واعٍ للشعور بالاهتمام والحب. المشكلة ليست في الرغبة، بل في الأسلوب.
فما الحل؟
الحل ليس في الدخول في هذه الدوائر، بل في كسرها من خلال الوعي.
عندما ندرك أن هذه الأنماط هي محاولات تعويضية لحاجة داخلية، فعلينا ان نتعامل معها بهدوء دون أن ننخرط فيها. فلا نتماهى مع الضحية ولا نرد على المضطهِد بنفس أسلوبه. ولا نلاحق الغامض، ولا نستسلم لتحقيقات الفضولي.
بل نعيد تعريف الاهتمام:
الاهتمام الحقيقي لا يُنتزع، بل يُبنى من خلال الحضور، الصدق، والمشاركة الندية.
حين نتواصل بوعي، دون افتعال أو استنزاف، نمنح أنفسنا والآخرين فرصة للتفاعل الناضج والهادئ.
ومن هنا، فإن نشر هذه المعرفة وتوعية المحيط بها يُعدّ خطوة كبيرة نحو بيئة اجتماعية صحية ومتوازنة.
بيئة لا تُبنى على الاستنزاف، بل على الفهم والتقدير المتبادل.

