ثورات ما كان يسمى بالربيع العربي بدأت بعواصف جماهيرية، وخروج إلى الشوارع بحجج مختلفة .. ووصلت في اغلبها إلي مواجهات بين الأمن او الجيش والشعب، وكانت ترفع شعارات تحسين الوضع المعيشي للمواطن والخدمات المقدمه له وفي غايتها إسقاط النظام القائم، واستبداله بنظام جديد، يختلف عمن سبقه سياسياً أواجتماعياً أواقتصادياً، وكانت تمر عبر مخاض عسير نتائجه تُنهك كل قوى البلاد، وتُضعف قدراتها الاقتصادية وتدمّر بنيتها التحتية والصحية واسوأ سيناريوهاتها شتات الشعب بين مخيمات اللجوء والهجرة نحو المجهول. وقد تسبب بعض تلك العواصف إلى انقسام البلد لأكثر من محور بفعل التدخل الخارجي ومحاولة كل طرف لفرض اجندته والاستماتة للدفاع عنها حتى لو أدى ذلك إلي القفز على القيم والمصالح الوطنية والسير على جثث القتلى ، وغالباً تؤول الي تراجع البلد كثيراً عما كانت عليه وقد تعيده لنقطة الصفر ولنا شواهد ماثلة في المشهد اليمني والسوري والليبي على سبيل المثال .
الوضع السوداني مختلف فقد استنسخ السودانيون التجربة المصرية بالحراك الشعبي الذي اسقط حكم الرئيس الراحل حسني مبارك رحمه الله، وبذات الوقت استنسخ الجيش السوداني تجربة الجيش المصري بحفظ الامن واركان الدول واجهض المشروع المراد منه تدمير مصر والأمة العربية وقادها الي بر الأمان وبالفعل نجح السودانيون في اسقاط البشير وايضاً احكم الجيش السوداني قبضته بحفظ الأمن وكيانات الدولة وتمكن من الامساك بزمام الأمور وقاد البلاد للتهدئة والعمل لايجاد منتج سياسي ينهض بالسودان والسودانيين لمصاف الدول الرزينة وتسخير استثمار خيراتها للتنمية وتحسين مستوى المعيشة دون ان يفرض اي من الاحزاب والتكلات والنقابات اجندته وعدم اختطاف البلد نحو محور يناهض انتماءه لعروبته وكاد الجيش السوداني ان يحقق هذه المكاسب لولا أن فصيلاً " مليشياوياً " يرتدي البزّة العسكرية بقيادة نائب رئيس مجلس السيادة اراد تغيير قواعد اللعبة واختطاف السودان، وتحييد الجيش وقادته او ابعادهم من المشهد بذريعة تغلل الاسلاميين الذين قادوا البلاد طوال فترة حكم البشير متناسياً او متجاهلا أنه " بزاته" كان جزءً من تلك المنظومة بخيرها وشرها وتحييد الجيش او ابعاده بهذه الصورة يُضعف هيبته وينعكس سلبا على حفظ مكونات الدولة وسلامة حدودها ومواطنيها وهذا للأسف تطبيق نسخة " دقلية-حميدتية " من قرار سيء الذكر برايمر حينما حلّ الجيش العراقي وترك العراق فريسة سهلة للمليشيات وصيدا ثمينا لدول لا تريد خيراً للعراق ولا للعرب كافة.
في الحالة السودانية سكنت العاصفة الشعبية حينما اقتتل العسكر واندلع صراع مسلح بين قوتين عسكريتين لهما ثقلهما تتمثل في البرهان كقائد لمجلس السيادة وقائد عام للقوات المسلحة ونائبه حميدتي قائد قوات الدعم السريع بينما الشعب السوداني الذي قاد ثورة سلمية اسقطت حكم البشير بقي ساكنا يراقب وينتظر ما يؤول إليه الوضع وكأني بلسان حاله " واعني الشعب السوداني " يردد المثل الشامي الشهير ( دود الخل منه فيه ).
فهل تكمن مشكلة السودان ما بعد البشر في صراع العسكر أم اطماع اللواء المعزول حميدتي ام هناك أمر دُبّر بليل لتدمير السودان واضعافه وتقسيمه.
ننتظر ما ستكشفه لنا الايام او الشهور او حتى السنوات القادمة!!، ونشهد حينها جهداً عربيا صرفا تنضيف الخل ..
.
كاتب ومحلل سياسي.