يُقال أن الحياة مدرسة ، والحقيقة أن الحياة مدرسة وجامعة ومعمل وابتلاء واختبار وخذلان وفرح ونجاح وتميز وعطاء وأشياء أخرى تُعد ولا تُحصى ، تلك هي الحياة المُمتلئة بنا وبغيرنا ممن نعرف ومن لا نعرف ، ومع كل هذا الزخم الذي تكتظ به الحياة ، يقف المتأمل الحاذق في زاوية استراتيجية من زوايا الحياة ليرى بوضوح وتروي وتأمل ، ويهيم الفوضوي بين دهاليز الحياة يتخبط في ذاته المبعثرة ، تمر عليه المواقف أو يمر عليها ولافرق بين هذه وتلك ، هو يسير كما يشاء ولا يعلم إلى أين ينتهي وهنا نحن أمام شخصية محسوبة على الحياة ليس إلا .
ومع كُل هذا الزحام والضجيج تبدو الأشياء أكثر غموضًا بحجم ما يلتحف ظاهرها السكون ، ويتنوع البشر في التعاطي معها بشى طوائفهم وتوجهاتهم وأهدافهم فمنهم كما أسلفت من يقف متأملاً يبحث خلف الغموض عن حقيقة تبدد الحيرة وتبني خارطة الحياة ومنهم من يُخاطر بفكر أعمى ويغامر دون هدف ما يجعل النتائج وخيمة والعواقب المتأخرة أكثر ألمًا وأشد وجعًا ، فنجد في الحياة صور متعددة وحقائق متباينة ونهايات تتشابه وتختلف ما بين نهايات سعيدة تتراقص عند فصلها الأخير أرواح متعطشة لمثلها ونهايات موجعة حد العبرة التي لاتموت .
ومن حقائق الحياة التي يجب التأمل فيها والوقوف معها طويلاً أن العُمر مسافة قصيرة وإن كثُرت محطاته متباين المنعطفات خطير على المتهور فمفاجًآت العمر قد تكون قاتلة والأخطاء قد تكون أكثر فداحة ، لذا التأمل هُنا يأخذ صفة الوجوب حتى لا تتعثر وتسقط وقد لاتستطيع الوقوف ثانيةً .
ومن الحقائق أيضًا ؛ أن لا أحد يُحبك مطلقًا ولا يكرهك مُطلقًا ، ومن اعتقد عكس ذاك فهو يمارس الكذب على نفسه ظنًا منه أن جملة (الحياة بخير ) تعني أن القلوب جميعها على نسق واحد ، وهذا بعيدٌ كل البعد عن المنطق ، القلوب تُحب وتتعلق وقد تصل درجة العشق ولكن ذات القلوب قد يبهت شعورها ويتناقص حماسها وقد تصل مشارف الكره لسبب أو لآخر ، والعكس ليس بعيدًا عن الصواب لذا علينا أن نتوقع جميع الإحتمالات ولا نعتقد أن الشعور لا يتغير .
ثُم إن من الحقائق التي يجب التعاطي معها ؛ أن الثقة التي نمنحها أنفسنا لن تخذلنا أبدًا ، بل هي الأبقى والأقوى والأكثر إيجابية والأكثر عونًا بإذن الله حين لا تجد من يربت على كتفك ذات ضعف ويهمس لك أنك رائع أو أنك تستطيع أو أنك شخصٌ يهمه أمرك دون مقابل ،
وبقية حقائق الحياة كثيرة حد الذهول ، فكل ما نفكر به وكل ما نحلم به وكل ما نجهله أو نعلمه هو حقيقة حياة تحتاج أن نكون أكثر جرأة على سبر أعماقها بحثًا وتأملاً وبالتالي الخروج لنتيجة نهتدي بها أثناء رحلة العمر وحتى لا نُخذل أو نُكسر أو نصدم بسبب جهلنا بحقائق الحياة .
همسة
كل حقيقة تجهلها هي واقع قد يؤذيك مالم تحاول فك غموضها