أيها الآباء .... أيها الأبناء
لقد لاحظنا في السنين الأخيرة حصول (جفوة ) أو ( فجوة ) بين الآباء والأبناء ( ما فوق العشرين ) ولا أقصد بهذه الجفوة أنها مادية بل هي جفوة مشاعر ، لقد أصبح هناك جدار غير مرئي بين الآباء والأبناء وإن بحثنا عن السبب أو الأسباب نجد من أهمها : أنَّ هذا السن هو بداية الشعور بالاستقلالية الشخصية لدى الأبناء ولم يعد يقبل بتدخل أبويه في شؤون حياته الخاصة ويظن بأنه لم يعد صغيراً لتمارس عليه الهيمنة الأبوية ، وتأدباً منه ( لكي لا يصطدم معهم ) يقوم بالابتعاد عن مجالستهم بالبيت فينزوي في غرفته ولا يخرج إلا لوجبة الطعام الأسرية ، وبهذا المنظور القاصر يقوم الأبناء بالابتعاد عاطفياً عن آبائهم حيث تبدأ محنة وحيرة الآباء لهذا التصرف ، ونعود الآن إلى ردّة الفعل لدى الآباء عندما يشعر أحدهما أو كلاهما بهذه الجفوة كيف يكون التصرف ؟ وهنا تختلف ردود فعل الأبوين حسب تكوينهم الفكري وشخصيتهم وخلفيتهم التعليمية وقدراتهم الثقافية على إزالة هذا الجدار المزيف وعلى استيعاب هذه الظروف ومعالجتها من الجذر والتأكيد على عدم حدوثها ، فالحال ليس بالسهل وتركه بلا حلّ يزيد البعد ويزيد الجفوة وطالما شعر الأبناء بعدم رد الآباء على تصرفاتهم فهذا يعني بالنسبة للأبناء شيء طبيعي وتستمر حياته على هذا المنوال .
إذا فالأمر يحتاج إلى خطة ذكيّة لكسر هذا الجدار والبدء في إرسال رسائل للأبناء بأن الأبوين هما جدار الحماية والوقاية والأمان من أحداث الزمان فهما الصدر الوحيد الذي يحضن أبناءه حتى بعد خطأهم وذنوبهم فالغريب لا يغفر ذنوبك معه ولكن الأبوين يغفرون ويسامحون فمرجع الأبناء بعد جفوتهم إذا مال الزمان بهم فإنهم يعودون مكسوري القلب ليرتموا في أحضان أبويهم باكين على ذنوبهم .
في نظري واعتقادي بأنه يجب على الأبوين عدم اليأس في البحث عن حلول لإذابة جليد المشاعر بينهم وبين أبنائهم ، فهناك ألف ألف حل ، وأما الوقوف مكتوفي اليدين فاقدي الحيلة فإن هذه السلبية أشّدُّ خطراً لأن الجفوة سوف تتوسع والبعد يزيد والغربة العاطفية سوف تعشعش في نفوس أفراد الأسرة ، وأما الأبناء فأقول لهم : لن تعرفوا معاناة الوالدين إلا بعد أن يكون لكم أبناء يذيقونكم عدم النوم والراحة ويسلبونكم تلك الاستقلالية التي فرحتم بها عندما جعلتم تلك الجفوة وآلمتم مشاعر أبويكم .
وخلاصة القول بأنَّ الوعي لدى الأبوين هو الذي يشكل جسر التواصل بين جيلين ويحتاج الأمر إلى المصارحة والصدق دون مواربة ودون الاختباء خلف المجاملات التي لا تفيد ....
أيها الآباء : إياكم والجلوس حيارى عاجزين عندما تشعرون بفقد المشاعر بينكم وبين أبناءكم فانظروا في السبب في جلسة مواجهة بصراحة تامة يتم فيها الكشف عن مشاعر الطرفين للوصول إلى حل فقد يكون الأبناء يتصرفون بغير قصد أو بدون أن يعلمون بأنَّ هذا التصرف يؤذي مشاعر أبويهم .
أيها الأبناء : إنَّ الاستقلالية ليست بجفاء الوالدين وعدم الاهتمام بمشاعرهما بل الاستقلالية هي إدراك دوركم الجديد الواعي برعاية أبويك وأن ترد بعضاً من الدين فأنت مديون لهما بفضل لا تستطيع سداده مهما فعلت وضحيت وقدمت فلا يعادل ما تقدمه ألم طلقة من طلقات ولادتك فكيف بالسهر عليك وتنظيفك وإطعامك وتعليمك ..... القائمة كبيرة وأنت خاسر إن لم ترد هذه النعمة بالحنّو عليهم ومراعاة مشاعرهم والاهتمام بهم في كل لحظة وأن تخصص من وقتك لتجلس معهم تسعدهم بوجودك واهتمامك وحبك هكذا ترد لهم بعض من جمائلهم عليك ، وإن لم تفعل فانتظر فإن حقهم سوف يأخذه منك أبناءك غداً وغداً لناظره قريب يوم يعاملك أبنائك بنفس الجفاء الذي عاملت به والديك فلا تبتئس ولا تحزن فإنني أرى دمعة الندم تسقط حرّى على خديك ..
2 comments
2 pings
خيرية العسلي
14/08/2020 at 4:07 م[3] Link to this comment
تسلم يمناك.. كلام في الصميم
هشام شيبة
15/08/2020 at 11:17 ص[3] Link to this comment
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
سلمك الله على هذه الفته الجميلة التي يجب ان تبروز بالذهب حيث ما بداخلها من الماس في التعبير والمعاني هذا الواقع الأليم الذي يعيشه اغلب البيوت الكل يشكو من نفس الجفاء وهذا يعود اولا واخرا من الوازع الديني الذي يفتقده الابناء حيث ان الوعي عندهم الصلاة بعد المناحلة معهم وليس بعد الصلاة التوعى بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية التي توعيهم على الدين وما يقربهم الى الله اسف على الإطالة حيث الحديث في هذا الموضوع يطول طريقة الذي لا نهاية له سوي الرجوع إلى الله
جزاكي الله خيرآ