شهدت أوروبا في الأعوام الأخيرة تحويل عشرات الكنائس إلى مساجد، حيث يتم شراؤها من قبل المسلمين لزهد المسيحيين في العبادة واهتمامهم بالمادة، ولزيادة أعداد المسلمين واحتياجهم للمساجد، ولم يحدث ذلك أي ضجيج يذكر كالذي أحدثه تحويل أيا صوفيا من متحف باسطنبول (منطقة السلطان أحمد) حيث بني في الأصل كنيسة ثم حوّل إلى مسجد بعد أن فتح السلطان محمد الفاتح القسطنطينية، واستمر كذلك 481 عاما، ثم تحول بعدها إلى متحف لمدة 86 عاما (الرواية التركية التي تميل إلى الرسمية تقول أن محمد الفاتح قام بشرائه وجعله وقفا للمسلمين، بينما تشكك المعارضة في تلك الرواية)، فماهي رمزية أيا صوفيا السابقة واللاحقة؟
أيا صوفيا مبنى عريق فخم يعتبر تحفة معمارية عمرها 1500عام بني لكنيسة أرثوذكسية حيث كان يشكل رمز العظمة للدولة البيزنطية كما نال أهمية بالغة أكثر لجماله وفخامته خلال الحكم العثماني واتخذ بموقعه وتاريخيته رمزا لقوة السلطنة التي استطاعت الاستيلاء على هذه المدينة المحصنة العريقة.
استمرت الحرب العالمية الأولى أربع سنوات،1914-1918م بعدها أصبحت الدولة العثمانية ضعيفة ومهزومة، وفي سنة 1920م وقعت معاهدة (سيفر) التي بموجبها تم تقاسم أراضي الامبراطورية العثمانية (الرجل المريض)، لم يرضخ كمال أتاتورك لتلك المعاهدة واستمر في المقاومة الى سنة 1923م، وبعد أن وصل الإعياء ذروته، وقعت تركيا (حكومة انقرة) التي كانت بقيادة أتاتورك والمنافسة للصدر الاعظم (في اسطنبول)، أمام الحلفاء (بريطانيا، فرنسا، إيطاليا اليابان، اليونان، رومانيا، البرتغال، بلغاريا، بلجيكا، يوغوسلافيا) بمدينة لوزان السويسرية معاهدة تم بموجبها الغاء الخلافة العثمانية، وإعلان علمانية الدولة التركية (تركيا الحديثة)، بينما تم تقسيم البلاد العربية المقتطعة من السلطنة باتفاقية (سايكس بيكو)اللعينة بين فرنسا وبريطانيا وبمباركة روسيا وايطاليا بداية عام 1916م حتى قبل انتهاء الحرب العالمية (التي تم بموجبها أيضآ اعتبار فلسطين وطنا قوميا لليهود).
معاهدة لوزان الطويلة التي استمرت ثلاثة اشهر خضعت بموجبها تركيا لشروط (أكلت قصعتها) بالكامل وتم التخلي عن البلدان التي كانت تحتلها الامبراطرية العثمانية عدا لواء الاسكندرون السوري وأورفه ومقاطعات اخرى كانت تحت السيادة الفرنسية عند احتلالها لسوريا ولبنان، وجعل مضيق البسفور ممرا دوليا واعلان علمنة الدولة، كما أن أتاتورك ادعى أن الاتفاقية تضمنت (تغيير لغة الأذان وتحويل الأحرف العربية إلى اللاتينية، ولأن مسجد أيا صوفيا يعتبر رمزا، فتضمنت المعاهدة أيضاً تحويله إلى متحف دلالة على انتهاء السلطنة العثمانية بالكامل)، وتسليم جزر بحر ايجة إلى اليونان وتحديد الاراضي التركية.
وتنتهي المعاهدة بعد 100عام اي سنة 2023م (هذا ما تقوله الرواية الرسمية التركية والحزب الحاكم).
بينما لم تنص المعاهدة على تحديد 20عام او100عام لأنها معاهدة دولية لا تنتهي، لكن يبدو أن الحزب الحاكم التركي حدد رؤية لاتخاذ خطوات بعد انتهاء المائة عام، وكذلك تحويل مسجد ايا صوفيا الى متحف، ومنع الأذان بالعربية وتحويل الأحرف العربية إلى لاتينية تمت من قبل أتاتورك نفسه لتكريس علمنة الدوله وللتقرب للغرب وادعى أن الاتفاقية نصت على ذلك كذريعة لشعبه وصدقها من بعده بدليل أن المعارض لسياسة أتاتورك عدنان مندريس أعاد الأذان في خمسينات القرن الماضي وسمح بتدريس القرآن.
وما مسجد أيا صوفيا إلا جس نبض لمعرفة ردود الأفعال الغربية للخروج من المعاهدة والغائها ومن ثم اتخاذ الخطوات الأهم الاخرى. فهل يسمح الغرب لتركيا بالمضي لما تريد؟