هذا العنوان حتماً يقدونا ذهنياً إلى عوالم كثيرة ومحطات متعددة ,لان الغالب الأعم قد مر بها وتوقف عندها كثيراً, ولعلي في هذه العجالة أن انقل القارئ الكريم إلى مجموعة من الحالات المعاشة في حياتنا اليومية ,وداخل مجتمعاتنا وعلى الأخص ضمن رواق الأسرة الصغيرة, فالجميع معنيٌ بهذا المقال إذا كنا نتفق من حيث المبدأ أن الأسرة يجب أن تكون على مقتضيات هذا المعنى كوحدة بنائية لا يهدم بعضها بعضًا, ولا يجب أن يقصُرُ دور أحدٍ عن الآخر, بل يظل الجميع جذوة متقدة والكل يسهم بدوره, فلو عمل شخص واحد وتخاذل الآخرون فإن ذلك يعني شكلا من أشكال الهدم وان كان بطريقة غير مباشرة وقد ينطبق عليهم قول الشاعر:
أرى ألف بان لا يقوموا لهادم ...... فكيف بباني خلفه ألف هادم
إن المبدأ العام على واقع أفراد الأسرة هو أن تتبادل المحبة وتتقاسم المسئولية ,ومن هنا تأتي المسرة والألفة والمحبة طواعية عندما يقدّم كلٌ دوره من اجل فاعلية وحيوية أكثر في هذه الحياة نحو عطاء مثمر لهذه الأسرة ,وبالتالي فان أول اجتماع لهذه الأسرة يظل هو أفضل لحظات العمر فعندما تجتمع تلك الأسرة على صفاء ونقاء ومحبة بعد أداء الرسالة والدور ,هو ما يجعل المكان هانئاً وسعيداً وكذا الشيء مغنٍ بمعناه وان قل , وان تلك اللحظات الماتعة التي يشعر فيها الجميع بدفء العائلة الوثير, وهذا ما تغبط عليه الكثير من الأسر, تلك هي والله الألفة والمحبة , وذلك التفاني بينهم هو جالبٌ للسعادة والأنس والمسرة على قاعدة ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة).
إن تلك اللحظات الماتعة ستسهم دون أدنى شك في جوانب مختلفة ونواحي متعددة , ففي الجوانب النفسية تجد أن كل محيط الأسرة في حالة من الانتشاء والسرور ,لان التقارب الأسري جالب للسعادة ومحقق للراحة والاستقرار ,وهذه التداعيات من شانها أن تقود إلى عوالم أخرى من المودة والشفقة والرحمة والتعاون والتعاضد فيما بين الأسرة الواحدة, تتبادل الأدوار في عطاء لا ينضب في كل الاتجاهات على قاعدة (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ) وفي اضعف الإيمان ستسجل تلك اللحظات ذكرى جملية وعلامة نائرة ومضيئة في عمر زمن لا ينسى وعلى مر السنين, وهذه المعنويات المرتفعة لاشك ستحقق نفعا أخر وتزيد من إنتاجية وعطاء الفرد لان الشخص المتوتر جراء ضغوط الأسرة تقل إنتاجيته ووهجه في الحياة ,فيظهر عليه حالات من الضمور والشحوب وتظل الأسرة محملة بخطيئة مضاعفة, لان ضررها قد يطول إلى المجتمع وحتى الوطن وهذا لا يتفق مع منظور الدين وكذا القيم والمثل والمبادئ العليا.
السؤال المطروح كيف لنا أن نصل إلى هذه المرحلة ومتوالياتها التي غالبا ما تسر ولا تُسعد ؟
في اعتقادي أن محاولة خلق الخلافات وان كانت صغيرة هي التي سوف تفضي إلى إشكالات كبيرة ومعقدة وخصوصا تلك التي تكون قائمة على المكايدات مع توظيف لأي خطا عنوة واستدعاء سقطات الماضي وحشدها للنيل من أي فرد من أفراد الأسرة أو العائلة عند ذلك فقط نستلهم قول الشاعر :
النار توقد في خيام عشيرتي ...... وانأ الذي يا للمصيبة أشعل
لماذا دائماً نبحث عن التشظي والانقسام والإخلال بنسيج هذه الأسرة الصغيرة مهاداً لتمزيقها فبدلا من تغيير الواقع إلى ايجابية ونقله من حالة البؤس والأسى إلى مرابع من الألفة والأنس والسعادة تجد البعض على ضجر مستمر وغالبا ما يصفه بالنكد والحظ العاثر دون أن يحرك ساكناً
لماذا لا نرى الجوانب المشرقة ونتحدث عن جوانب العدل والإنصاف والابتعاد عن التحريض لماذا نستجر جوانب كئيبة من الماضي وننكىء الجروح
لماذا نقف بقوة أمام فتح نوافذ لخصوصيتهم وأن كانوا من الأبناء
لماذا نعمد إلى إفشاء الأسرار حتى تذهب ريحنا
لماذا نرقص على تأنيب الضمائر لسبب ولغيره
لماذا لا نقدر الظروف والحالات النفسية
لماذا لا نراعي مشاعر الآخرين عندما نطلب ما ليس في أيديهم بل هو في أمر الله
هذه النقاط وغيرها مما يحاك في نفسك إن عملت عليها بإخلاص وأمانة وبيقظة من ضمير هي كفيلة بالتوازن الأسري (والسعيد من وعظ بغيره ) فان انطلقنا من هذه المحاور سنمضي إلى أفق أرحب في فضاء الأسرة السعيدة وعلينا أن تتجاوز كل العقبات دون أن نلغي الخير من ذواتنا وذوات الآخرين وأجزم لكم أن القادم سيكون أفضل .
وإلى لقاء
عوضه بن علي الدوسي
ماجستير في الأدب والنقد

