دائماً ماتواجهنا في ميدان العمل الحكومي خاصة عبارات رنانة ( وثِّق عملك - اهم شيء التوثيق - ارفعوا بتقرير مصور- وثِّق الزيارة ثبِّت عملك - هات الشواهد ) وفي المقابل تندر عبارات ( اتقن عملك - جوِّد مخرجاتك - ثبِّت نجاح عملك - قس مستوى أداءك - ابذر بذرة عطاء ) وما بين بون العبارات السابقة تبرز فكرة " جدلية الفساد " وهذه الفكرة تنضوي تحتها عدة تساؤلات : من هو المفسد الحقيقي ؟ وهل أنا مفسد أو فاسد ؟ وإذا كنت كذلك فكيف انسلخ منها والأهم كيف أُكفِّر عن ما أفسدته ؟ وما معايير النزيه ؟؟
سيتسائل البعض عن علاقة العبارات المصفوفة بين الأقواس أعلاه وبين الفساد ، وهو تساؤل مشروع إذا مانظرنا إلى أن ركناً مهماً من أركان الفساد يمارسه الكثير منا بصفة يومية دون ان يشعر او انه يشعر ولكن هكذا جرت العادة ألا وهو ( تهميش المخرجات) . فالمُخرَج لكل أعمالنا الحكومية في كافة قطاعات الدولة هو مايجب النظر إليه عند تقييم الأداء ومنح الدرجة المستحقة ، وليس كم الورق والصور والعروض الصوتية والمرئية التي تُكال للمسؤول ليطلع على ماتم انجازه طوال العام ثم يبتسم أمام الكاميرات ويلتقط صوراً تطير بها الركبان نحو الصحف .
من ضروب تهميش المخرجات الطالب المخفق في مهارات الحد الأدنى في اللغة العربية أو الرياضيات تحديداً في المرحلة الثانوية فهو نِتاج إخفاق معلمٍ ما في المرحلة الابتدائية منح عبارة "أتقن" لطالب لا يستحق ، والخطأ الطبي الذي ينهش في أجساد المرضى هو نتاج طبيب مخفق في كلية الطب أو ممرضٍ متهاون أو مخفق في مهارات التعلم ولم يُعان على الوثبة من كبوته ، والمشروع المتعثر هو نتاج مسؤول لا مسؤول وموظفون يحيطون به ينمقون له التقارير ويتسابقون على ضبط (الزوم) على اللقطة الأجمل ليعتلي بها سلماً نحو الأعلى ، وإذا ما استمر دولاب المخرجات يدور بهذا الاتجاه فحتماً سوف نبقى ندور في ذات الدائرة وسننعى كل يوم عقل إنسان او جسد اخر او مشروعاً وليد .
نشعر دائماً بانقباض الشعور تجاه فكرة ربط العلاوة بالاداء الوظيفي ، وأخال ذلك الانقباض صادر من الخوف على لقمة العيش اكثر من الحرص على تجويد المخرجات التي سنتجرع علقم اهترائها يوماً من الأيام ، ولا أخفيكم برغبتي الجامحة في ربط نصف العلاوة السنوية بالاداء الوظيفي حتى لا يتأثر المستوى المعيشي للموظف كثيراً ، وإعادة النظر في معايير تقييم الموظف مدنياً كان او عسكرياً لتكون المعايير متلائمة مع طموحنا نحو المسقبل الذي لم يعد تقليدياً كما عهدناه .
لم يعد في جعبتي شيء أضيفه سوى أن الواجب على كل موظف ان يقف امام مرآة الضمير ليرى بهاءه أو شحوبه أو انكساره عندها سيقرر أن يحافظ على ملاءته الوظيفية أو انه سيودع خزينة ابراء الذمة مالاً او يودع الضمير قيماً وكلاهما كفارة للفساد .