ثمانية وثلاثون عاما هو عمر المشوار الذي أمتد عبر جناحي طائرة جابت دولا بعواصمها ومدنها، اختلفت وتنوعت بيئتها لكنها أُجمعت باحداث مشوقة لمجلد كان قد حمل عنوان "سفير بين قطبين"، وهي التجربة الاولى كمحاولة للكاتب عصام عابد الثقفي في مجال التدوين وتوثيق ما رافق مشوارعمله في ازقة السلك الدبلوماسي، فيقول في مقدمة كتابه " كانت فكرة كتابة المذكرات تراودني بين وقت واخر منذ وقت بعيد، وكان يلازمها شعور بيني وبين نفسي يقول بأن الوقت لايزال أمامي طويلا، وأن الأمر قد يبدأ وينتهي في غضون أسابيع قليلة، كنت أتلمس لحظة تمام قناعتي والانطلاق بعد ان تزاحمت الافكار في خيالي وتقافزت المواقف الكثيرة أمام عيني"
تجربة ان تنتج كتابا يقدم سيرة مررت بها من فترة طفولتك وهي مرحلة الانتماء والتجذر وانتهاءا بالعمل ضمن بيئة حساسة في فضاء الدولة ومرتكزاتها البنيوية، هي تجربة في غاية الاهمية : فالاحداث المُسردة من قبل الكاتب عصام الثقفي في كتابه "سفير بين قطبين" هي احداث قدمت محورا تصاعديا منذ تلقيه التعليم الاولي، ودراسته الجامعية ومرورا بشغله مناصب وظيفية بالسلك الدبلوماسي، امتزجت تلك الاحداث بعوالم معرفية نجح الكاتب بعرضها تفصيلا، فقدم لنا معاناة "مكسيكو ستي" على سبيل المثال جراء التلوث الذي اجتاح تلك العاصم الغافية وكيف تخلصت منه الحكومة بخطط علمية ناجحة، تلك المعلومات وفرها للقارئ كمستهل لدخوله جمهورية المكسيك.
الاشتغال السردي للنص
اشتغل الكاتب الثقفي على تفصيلات سردية خالية من الشفر والطلاسم التي تجبر القارئ احيانا اختزال المعنى بشكله ومضمونه ببرهة من الزمان، فلا تأويلات ذاتية ولا ايديلوجية، فقد نجح بانتهاج السرد الحكائي بلغة سهلة وبتعبير صادق ينساب لمخيلة القارئ بيسر ودونما تعقيدات بلاغية مبهمة.
ترك الكاتب امام القارئ مساحة واسعة لتحريك وتشغيل مخيلته ورسم المدارك الحسية التي وصفها من خلال بيئة للحدث وفق زمكانية السرد الذي تناوبها بمحطات عاشها صاحب التجربة -الثقفي- دون ان يكون له خيار تفضيلي للمهام التي اونيطنت به.
فهو يتسعرض مراحل حياتية عاشها بمعية الذات كونه صاحب التجربة المسردة من خلال بوابة الطفولة الحالمة بين أزقة وبيوتات مكة المكرمة وماتركت تلك المرحلة من انطباعات "نفسية فسيولوجية" تشكلت بفعل أساس بتكوين شخصية السفير الذي جال العديد من الدول بعواصمها ناقلا مجموعة من العادات والتقاليد الاجتماعية قدمها بصيغ انسانية ثرية وبطبائع الارث والدين امام العالم .
واستذكر الكاتب من خلال كتابه الذي جاء بـ(215) صفحة الاحداث التاريخية السياسية منها والاقتصادية التي تزامنت مع ربيع حياته، فمن غزو العراق للكويت واحداث 11 سبتمبر 2001 أزمنة رافقت محطاته الوظيفية سُردت وفق احداث تتنامى تلقائية ضمن نطلق ومحيط الرحلة واستكشافاته المحددة لها.
الصديق المشجع
من خلال سرد السيرة الذاتية المحبكة للكاتب لم يتطرق بشكل مفصل لاي من الاصدقاء الذين تركوا بصمة واضحة بتلك المسيرة الا ماجاء في مقدمة الكتاب، حين أشار الثقفي بموقف نبيل تمثل بالنصح الذي بادره (عبد العزيز الشبانات) المالك لدار نشر حينها، وبحسب خبرته في مجال النشر والطبع فكان المحرك الرئيس والمصدر المباشر لشحذ همم الثقفي قائلا: هذه فرصتك الان ، ان لم تغتنمها اليوم سوف لن يكون لك حيز من المجال لتدوين الافكار والتجارب لاحقا.
سعادة السفير
أول جملة تجتاح سمعه، فاللقب هذا عبارة عن تجربة يتمنها كل من دخل بيئة العمل في السلك الدبلوماسي ، فيقول الثقفي "تلقيت اتصالا من أحد الزملاء بمكتب معالي وزير الدولة للشئون الخارجية الدكتور (نزار المدني) يبشرني فيه بالموافقة السامية على ترشيحي سفيرا للمملكة في (بروناي) ، حين بدأ حديثه: مبروك يا سعادة السفير".
ويضيف الثقفي ما ان سمعت هذه الجملة حتى انتابني شعور قوي اتجاه مسؤولية وامانة وقعت بثقلها على فكري ووجداني ، فحين تُنتخب من أصحاب القرار السيادي الاعلى داخل هرم الدولة وتُقدم كأنسان بقدر وحجم تلك المسؤولية هذا أمر فضيع جدا.
من هنا بدأ الثقفي مشور رحالاته حول العالم بلقب السفير الذي ظل مرافقا ولصيقا له منذ بروناي وحتى جاكارتا التي لم يحن فرصه تدوينها بعد.
أوسلو 2014
أعتاد الثقفي حين يبدأ تكوين فضاء لمحطة وظيفية جديدة أن يستعرض ويشكل ذلك الفضاء بالمعطيات السياسية والتاريخية والجغرافية لاي دولة او مدينة عمل بها . ففي مملكة النرويج قدم دراسة مستفيضة عن تطور المراحل السياسية للنرويج بدءً من الانضمام الى اتحاد سياسي واقتصادي جمعها بالسويد وانتهاءاً باعلان الاستقلال وتكوين مملكة مستقلة ولم يكن المناخ القارص ودرجات الحرارة المتدنية بمعزل عن ذلك الاستعراض فسرعان مايشعر المتلقي بان الذي بين يديه هو منهاج لمادة علم الجغرافية او التاريخ.