لقد تفضَّل الله على بلادنا بنعمٍ عظيمةٍ لاتعد ولا تحصى، ومن الواجب علينا شكر الله عليها، وصيانتها، واحترامها، ومعرفة فضل الله علينا حيث أكرمنا بها لنأكل منها ونحتفظ بما تبقى،والكل قد سمع قصص من الآباء والأجداد بالتعب لنيل لقمة العيش، نعم فقد جرى على آبائنا وأجدادنا، من قلَّةِ ذات اليد، والجوع، والخوف، مما هو ليس عنَّا ببعيد، فقد كانوا يتنقلون من بلدٍ إلى بلدٍ طلباً للقمة العيش، إذاً بإختصار شديد ولعل من يقرأ هذا المقال، يتذكر ما قاله الآباء والأجداد في ذلك، ويُذكِّر أبناءه، وإخوانه؛ ليستشعروا ما نحن فيه من رخاء، وأمنٍ، وبسط رزق.
قال تعالى
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}
( لئن شكرتم لأزيدنكم ) أي : لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها ، ( ولئن كفرتم ) أي : كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها ، ( إن عذابي لشديد ) وذلك بسلبها عنهم ، وعقابه إياهم على كفرها.
فمن المؤسف حقيقةً، والموجع للقلب صدقاً، أنْ تهانَ الزوائد من الأطعمة، بوضعها في حاوية القمامة أجلَّكم الله مما لا يرتضيه ذوو الألباب المستبصرة، فضلاً عن أهل الإسلام الذين كرَّمهم الله بهذا الدين أن يشاهدوا تلك المناظر المؤلمة، كالمتبقي من الفواكه،والخضار، والخبز، واللحوم، وغيرها، وكذلك المتبقي من أطعمة الزواجات،والمناسبات والولائم، وفائض أطعمة المطاعم والمطابخ، وما أكثرها، والمتبقي من الأطعمة على نطاق الأسر في رميها بالزبالة؟
والله إنَّها تعتصر قلوبنا من الألم، ونحن نرى المتبقي من الأطعمة، سواء من الأسواق التجاريَّة، أو من فائض أطعمة المناسبات،والزواجات والولائم، والمطاعم والمطابخ، حينما نراها ترمى في حاويات القمامة، وكم شاهدتُّ وشاهد غيري تلك الصور من مخلَّفات الأطعمة التي تدلُّ على السرف والتبذير، والجحود لتلك النعمة التي أتت إلينا رغداً من كلِّ مكان، فإلى متى السكوت وبدون حراك،يابشر ألم ترؤ الصور المخيفة المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي، في التباهي بإقامة الولائم والموائد الكبيرة التي لا يؤكل عُشرها، ومن ثمَّ رمي تسعة أعشارها في حاويات القمامة، نذير خطرٍ، مؤذنٌ بحلول النقم، فيجب أنْ يُستدرك هذا الأمر، ويوضع له الحلول، وأنْ تُستنهض الهمم؛ للمحافظة على النعم وإكرامها، من قبل الجهات المسؤولة المختصَّة، ومن قبل الناس أنفسهم، فإنَّه إن استمر أولئك المبذرون على ما هم عليه، فقد تمَّ تعريض هذه النعم للزوال، ونخشى أنُ يُستبدل شبعنا، وأمننا إلى جوعٍ وخوف.
قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ).
والمؤمن يعلم ان الله يمهل ولا يهمل، لكنه لا يغفل وقد ينعم على العاصي استدراجاً والسعيد من اتعظ بغيره، فإن كنا نريد السعادة فلنتعظ بهذا المثل القرآني
وأخيراً المؤمل أن نتعاون للحد من ظاهرة الإسراف، في ظل الشح الذي يجتاح العالم في الغذاء، وأن نكون مراقبين لمظاهر هدر النعم في الولائم والمنازل والمطاعم التي لا يبالي عمالها بمصير هذه النعم.. وبلادنا تنعم بالخيرات، ولله الحمد، متمنياً من الجميع المساهمة في حفظ النعمة التي أمدنا الله بها وإلا فقدناها لاقدر الله.
*همسة*
سؤال جاء للشيخ بن باز رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته :عن إلقاء بقايا الأكل في القمامة
*أما ما لا يؤكل فلا بأس، كقشور البرتقال والتفاح والموز وما أشبه ذلك؛ لأن هذا لا حوجة له في نفسه، وأما ما يؤكل كبقايا الخبز والإدام وشببه فإنه لا يلقى في الأماكن القذرة، وإذا كان لا بد أن يلقى في الزبالة فليجعل له كيس خاص يوضع فيه حتى يعرف المنظفون أنه محترم*