ذهبت بي ذائقتي مُقلعة إلى رحلة تقصي متفردة عبر الشبكة العنكبوتية ، و بينما أنا أتأهبُ للوصولِ هبط بي محرك البحث على قصيدة " قفي" التي تنتمي لك فقد كان اسمك " غازي القصيبي " يعتلي أحرفاً رفلت بك حد الاختيالِ ، فمضيت في رحابك و أنا ألهث خلف رغبتك في وقوفها ، و ما كان لي إلا أن أقف !
" قفي ! فالكون لولا الحب قبر
و إن لم يسمعوا صوت النواحِ
قفي ! فالحسن لولا الحب قبح
و إن نظموا القصائد في الملاحِ
قفي ! فالمجد لولا الحب وهم
و إن ساروا إليه على الرماحِ "
فقد وقفنا أنا و أحرفي المتضامنة بجانب تلك الملهمة التي أثارتك للكتابة و السرد ، فوجدنا الحب مبجلاً و عظيماً ، أخبرني يا سيدي فكيف له أن يبيد البلادة و البؤس في بسيطة هذا الكون و لحوده ، لتحال سكرة الموت نبضة مقبلة على الحياة ، و كيف له أن يعيد صياغة الجمال في ماهيته فيغدو الحسن دون قيمة إن لم يُقترن به ، و كأنه يجمّل الأشياء لتصبح في أبهى حلة ، و كأنه يُحل سلاسل قيدت مقاليد القلب بعد أن كان مُطلَق السراح و الوجيب ، و كأنه يسلم للعقل رجاحته بعد أن صودرت منه و أُخِذت ،
أخبرني كيف للحب أن يهزم المجد في أوجه إن لم يكن على أرضه ، فتصبح الأمجاد صور متخاذلة من التعس ،
و أوهام ترتع في الوجس ، فلا يجلي هذا العالم غمته التي تكونت من غيمة رمادية باهته ! إذن فلا اكتمال إلا بالحب و ما دون ذلك نقصانٍ زهيدٍ ، فالحب كما لو كان نسائم تسللت من الجنة إلى الأرض لننعم بها ، كما لو كان إحساسا باركه الله قبل أن يخلقه في قلوبنا ، إنني يا سيدي أحادثك بملء اليقين بكلماتك ، فهل تسمح لي بأن أباغت مشاعرك التي تركتها لنا على دفة رواية كلما غفت لهفتي عن مراسم بهجتي ؟
و في الحقيقة قد اختلست ذلك ذات يومٍ ، فأتاني صوتك قائلاً : لا تخشي في الحب لومة لائم ، حينها أيقنت بأن المبدعين لا يموتون ، بل يشيّدون أحاسيسهم أسياجاً و حصون ، لتحمينا و تأوينا ..
دعني أسألك فقد أشعلت فتيل أسئلتي الهاجعة قبل أن تصادفك و المتيقظة بعد أن التقت بك ، دعني أسألك فأنا أعلم بأن شهيتك مفتوحة على الإجابة عن الشعر ، دعني أسألك قبل أن تتقهقر أبجديتي و قبل أن ينصهر قوام المعاني ، دعني أتقولب في ( أين ) لعلها تلقاني ! و لكن من أين أبدأ ؟ من بوتقة المبدأ ، أو من ثقافة أحببتها فأحبتني لـ ألا أصدأ ! أو من قريحة تثيرني بيد أن لها أهدأ ، من أين أبدأ ، من : نحن الحجاز و نحن نجد ، هنا مجد لنا و هناك مجد ؟ من أين أبدأ ، من أشعارك الكلاسيكية أم من أغوارك الدبلوماسية أم من شقة الحرية ؟ من أين أبدأ ، من : إن مضيت قولي لم يكن بطلاً و كان طفلي و محبوبي و قيثاري ، أم من : و أنت تعلم بإيمانٍ مننت به علي ما خدشته كل أوزاري ؟
من أين أبدأ ، من انبعاث الموسيقى في طريقي .. من خثور الثكنات في عقيقي .. من رشق الحب في رحيقي ؟ من أين أبدأ من أنوثة مبتهلة نضجت في معبد .. أم من محراب عاشقة صلّت لتسعد .. أم من رحى حرب أدمت المشهد ؟ من أين أبدأ ، فما لبثت بدايتي حتى أن آنت نهايتي ، فها هو الستار يُسدل يا سيدي و قد علت لافتة كُتِب عليها " open end " فإلى اللقاء ، و كلي أمل أن نلتقي في قصيدة أخرى .. و لكن عدني بأنك ستبادلني الإجابة إن جاذبتك قائلة من أين أبدأ ؟