لقد أشرقت شمس الإسلام على ربوع المعمورة ، فاستبشر العالم بميلاد عهد جديد ، جاء لإخراج الناس من الظلمات إلى النور .
رسالة الإسلام بعالميته رحمة للعالمين ، فكانت مصدر عز وشرف لأتباعها إلى يوم الدين.
فلم يزل للإسلام رجال صدقوا ماعاهدواالله عليه ، فمنهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر ، فهم القادة الى طريق الخير والرشاد ، فلايخلو عصر من العصور إلا وهم فيه ، مبلغين رسالة الله بصدق وإخلاص.
إن جزرالقمر منذ نعومة أظفارها وجدت الإسلام بصورته المشرقة المبكرة دون عنف ، إنما بحسن تعامل حملته إليهم والكلمة الطيبة .
ومن المرشدين المصلحين ، حاملي راية الزهد والورع والقناعة الشيخ عبدالله الخطيب بن الشيخ عبد الوهاب بن السلطان جمبفوم آل باوزير .
ولقب الخطيب إشتُهر به الشيخ عبدالله الخطيب على مستوى جزرالقمر منذ مائة عام تقريبا ، وذلك انه خطب الجمعة في مسقط رأسه مدينة ( مبين) حاضرة منطقة همهامي أكثر من خمسين عاما .
فحياة الشيخ بدأت حياةعلمية على يد عمه الشيخ عبد الغفور بن السلطان جمبفوم ، الذي كان قاضيا من قضاة جزرالقمر ، فصاحبه مصاحبة الطالب اللبيب الذكي للشيخ في البيت وفي المسجد وفي المدرسة ، إلى أن زوَّجه بإحدى بناته الصالحات في الطاعة والإستقامة المرحومة عائشة بنت الشيخ عبدالغفور، ومنها أنجب والدي محمد طويل ومحمد صادق رحمهم الله جميعا.
لقد كانت لحركة التعليم دور كبير في خدمة ديننا الحنيف ، مما جعل العلماء والمشايخ يتسابقون إلى إحيائها وتشجيعها من خلال المدارس والمساجد بالحلقات العلمية بشتى العلوم والمعارف.
على هذا الأساس وجد الشيخ عبدالله الخطيب مع رفيق دربه في المسيرة العلمية الشيخ أحمد بن مفواهيا مدينة (مبيني) لابد من إحياء رسالة التعليم فيها ، فقاما بإنشاء مدرستين عظيمتين في تاريخ جزرالقمر منذ مائة عام لتكون المدرستان مأوى أفئدة طلبة العلم على مستوى جزرالقمر .
فالأولى منهما مدرسة الأزهر الشريف للشيخ أحمد مفواهيا متفائلا حذوها للأزهر الشريف في مصر،والثانية مدرسة دار الجديد للشيخ عبد الله الخطيب ، تلقى الطلبة فيهما العلوم المختلفة مما جعلهم يرشدون المدن والقرى أمور دينهم.
فنشأت من المدرستين حركة إصلاحية تربوية للمحافظة على الأخلاق الإسلامية خشية تدهورها .
ومن هنا جاءت فكرة تزويج الشباب البالغين بصورة جماعية دون مغالات في المهور وتكاليف الزواج ، وكان ذلك في كل جمعة بعد الصلاة برعاية الشيخ عبد الله الخطيب – رحمه الله- لدعم ومساندة من زعماء المدينةالأفاضل.ومما استفدت أنا شخصيا من والدي ( محمد طويل بن الشيخ عبدالله الخطيب ) أن الشيخ كثيرامايقضي من أوقاته في العبادة والمذاكرة مع الزملاء والطلبة.
ولاننسى الدور الفعّال الذي قام به الشيخ الخطيب والشيخ أحمد مفواهيا على المضي قدما لخدمة الفقه الإسلامي في المدينة حتى صرح مفتي جزرالقمر السابق السيد محمد عبد الرحمن – رحمه الله – أنه يمتنع امتناعا باتا عن رد أي سؤال أو استفسار شرعي يرد من منطقة همهامي ، وذلك أن فيها مدرستين عظيمتين تلبي مطالب الساكنين فيها حوائجهم الشرعية تقدير ا لمكانة الشيخين المؤسسين للمدرستين.
إذا كنّا نتحدث عن الشيخ الخطيب فسنذكر من بين طلبته بعد أولاده فضيلة القاضي الأسبق لمنطقة همهامي الأستاذ السيد إسماعيل بن السيدحمد العدنان العيديدي، وأيضا الشيخ صادق بن إمبابانزا خريج كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ومدير مجمع مدارس الإيمان بجزرالقمر ، وغيرهم في المدن وفي القرى.
وهناك من الباحثين الذين ذكروا الشيخ الخطيب في مؤلفاتهم كالباحث الأخ معالي وزير الدولة المكلف بالعالم العربي سابقا الدكتور حامد كرهيلا (حفيد الشيخ أحمد مفواهاي ) في كتابه عن الإسلام في جزرالقمر و ور العلماء فيها ، فجعل الشيخ في فصل مستقل في كتابه ذاكرا دوره العلمي وحركته الإصلاحية في توجيه الطلبة إلى الطريق المستقيم ..
وكذلك الأخ الدكتور أحمد محمد طويل (حفيد الشيخ عبدالله الخطيب )خريح قسم اللغة العربية بكلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، حاليا محاضر في كلية الإمام الشافعي التابعة لجامعة جزرالقمر ، أحيا أمسية ثقافية دينية في صالة إذاعة وتلفزيون مدينة ( مبيني ) في إحدى ليالي رمضان لهذا العام تحت عنوان :حياة الشيخ عبد الله الخطيب.
وفي الخامس والعشرين من ذي الحجة ١٣٨٢هـ الموافق ٢٠ من مايو ١٩٦٣م إنتقل الشيخ الخطيب إلى جوارربه تاركا حياة قضاها في طاعة الله وابتغاء مرضاته ، فبكى على فراقه الأهل والأحباب بل المدن والقرى في جزرالقمر .
ولقد قام زميله المستشار السابق لرئيس جزرالقمر الشيخ الجليل والأديب البارع والشاعر العملاق الشيخ أحمد قمر الدين بمرثية عظيمة للشيخ مما جاء فيها:
لا حزن إلانراه دون مانجد
بموت من كان في الأموريعتمد
نبكي أخا كان في الإخوان ذاهمم
خطيبنا كان في الإرشاد يجتهد
قد أفجعت بلدمبيني مصيبته
فالله يحفظها فالصبر يابلد.
رحم الله الشيخ عبدالله الخطيب رحمة واسعة ، وأسكنه فسيح جنانه.
بقلم : نور الدين محمد طويل إمام وخطيب المركز الثقافي الإسلامي بدرانسي شمال باريس