(ياسمينة) تختزن الندى لتسقيه أزهاراً بيضاء جميلة، وتنشر العطر عبقا حول الحمى لتجنيه النحل شهدا وعسلا.
كانت الحياة في ثمانينات القرن الهجري الماضي جميلة ، ولها في قلوبنا حب لم تفسده حضارة مزيفة..
كانت حياة القرية ذات طعم ونكهة خاصة…
تبدأ الحياة صباحا بصوت مؤذن القرية . وطالما سمعت والدي يقول (الأذان الأول).ثم يبدأ الكل في العمل. الأم تعد القهوة العربية . يتناولونها مع السكر وبسكوت (المداح)أو (الميزان) ، وتسمع صوت المذياع في نوافذ المنازل . نافذة منها إذاعة القرآن الكريم بصوت الشيخ محمد نور أو الشيخ عبدالله خياط رحمهما الله ، وأخرى هناك فوق (امسِّدَّة) صوت إذاعة ( BBC)بمقدمتها الشهيرة (هنا لندن -هيئة الإذاعة البريطانية- قسم الشؤون العربية – الشرق الأوسط) بصوت المذيع سامي حداد او جميل عازر أو مديحة المدفعي أو المذيعة سلوى جراح. وأحيانا بصوت أفتيم قريطم.
ثم ينطلق الناس إلى أعمالهم الروتينية المعتادة..
ترى أحدهم يقود ثوريه للحرث .. يحمل المحراث على كتفه ، وبذور الزرع وبرادا فيه ماء للشرب.
وآخر هناك عند بيته يضع (رحلا) على ظهر حماره استعداد لإحضار الماء من البئر ، آخر هناك في أقصى القرية يمشي أمام أغنامه يحمل (عطيفته) -فأسا صغيرة – محتزما بحزام جلدي متمنطقا في عرضه (شفرته) – سكين صغيرة مربوطة بسلسال حول عنقه – و(ملقاطا) صغيرا لاستخراج الشوك من قدميه، واضعا أطراف ثيابه السفلى في حزامه ، تتراقص (البهم) هنا وهناك فرحة بيوم جديد ..
فحل غنمه ذو القرون الطويلة له صوت يجلجل بين الأغنام ليطرد الأصغر منه سنا (منافسه ) ، ويتوقف أحيانا رافعا رأسه إلى الأعلى مبديا أسنانه، كأنه طبيب يعمل التحاليل المخبرية ، يشم رائحة عبقة، صدرت من أنثى في آخر القطيع ، يخرج لسانه مجلجلا بصوته الشجيّ ، فتقترب منه الإناث طلبا لرضاه، وتفاديا لغضبه.. له رائحة تستجلب الأنثى لقربه يسميها الرعاة (صَمَحًا – صمحة – صماحا)..
يقف أحيانا ليتبول بوجهه وعنقه ، وينشر رائحة السيطرة حول القطيع.. أحيانا يرتد راجعا بكل سرعته كأنه (جلمود صخر) لينطح خصمه.. يقف متباهيا بقرنيه وصوته لفرض الأمر الواقع : إثبات أنه الأقوى والمسيطر ، فيُخضع القطيع ..
يمشي الراعي داعيا الله في المطر والكلأ..
هنا رجل (يزرب ) – يقطع أشجار السدر – ليشكل سورا من الشوك والأغصان حول مزرعته.. آخر (يبْشر) – ينظف مزرعته من الأحجار – استعداد للحرث..
النساء يشاركن في الحياة : امرأة تربط بقرتها عند أطراف القرية لترعى.. أخرى تحضر حطبا من أطراف القرية..غيرها تكنس مخلفات الأغنام (امْدمن) حول البيت…
وفي (تبة) طرف القرية عجوز تضع على رأسها (طفشة) تنظر إلى غنمها واضعة يدها على حاجبيها من أشعة الشمس متكئة على عصاتها.
فتاة جميلة حول بيت في أقصى القرية تسقي (حيضان) الريحان والبرك والسذاب ، وتلتفت إلى مكان بعيد (بعد أن تراقب أمها على التبة) لتشاهده يراقبها من بعيد..
تعيد شيلتها على رأسها في إشارة (مشفرة) إليه.. ترحب ترحيبا دون أن تتكلم..
يعيد ترتيب عمامته بإشارة لرد التحية الصادرة من (فاطمة)..
تتسارع نبضات قلب (يحيى )ويبتسم وحيدا.. لقد قرر الزواج بمن يعشقها..
قابل يحيى فاطمته على البئر وصارحها..
ضحكت ولم ترد.. (السكوت علامة الرضا).
طلب (يحيى) من والده أن يوافق على زواجه ب(فاطمة) ..
تدخلت الأم لإقناع الأب الطيب..
وافق على أن (يحاكي) ليحيى في فاطمة..
ذهب الأب وطلب يد فاطمة لابنه.. وافق والدها بعد أن أخذ رأيها.
كان المهر دراهم معدودة ، و( 20) لحاف دريهمي ، (20) قطعة (بز) قماش نسائي وتوابعها من مناديل صفراء ومسافع …
يحضر العريس كل الطلبات للعروس..
كست فاطمة كل أهلها وأخوالها وجيرانها..
ووزعت الأم تمرا (كروت الدعوة) على كل البيوت..
حضرت النساء ب(رفدة) وقهوة (طبخة)أو حب وريالين (حمل).
رقصن وغنين وتغدين بعد أن طبخن الغداء حول البيت…
العصر (مراح) الزوجة بيت زوجها محملة بالكساء والهدايا وأدوات المنزل ..
فاطمة محنّية كفيها ، ممشوط شعرُها ،وضعت (مكعسا) و(عَكرة) رائحتها زرّ ومحلب وعطر (أبو طير) ، والكحل في مقلتين واسعتين..
استقبل الزوج زوجته عند باب البيت بغطاريف النساء ورمي البنادق.. طلب النساء (المروّحات) من يحيى وضع (اللحاف ) في الأرض لتمشي الزوجة عليه دخولا إلى البيت..(عملية إخضاع الزوج وبادرة حب لفاطمة )…
وكان سيرها على (لحاف ) يحيى إلى عتبة داره آخر ذاكرة لي أعترفُ بها في قريتي…
- 17/05/2024 منتخب المملكة المدرسي لكرة القدم يشارك في البطولة الدولية بالصين
- 16/05/2024 وجهات المملكة تجذب أكثر من 165 ألف زائر من بريطانيا في الربع الأول من عام 2024
- 16/05/2024 أبو الغيط يستقبل السكرتير العام للأمم المتحدة على هامش قمة المنامة
- 16/05/2024 شركة جواثا للترفيه تبرم اتفاقية تعاون مع الجمعية التعاونية السياحية بالاحساء
- 15/05/2024 الحكومة السلوفاكية : محاولة اغتيال رئيس الوزراء السلوفاكي
- 15/05/2024 ٣ شبكات كهربائية عربية تسوق فائض الطاقة للأسواق العالمية
- 15/05/2024 الإحصاء “ارتفاع أعداد الركاب في مطارات المملكة بنسبة 26% لعام 2023م
- 14/05/2024 انجاز 40% من المرحلة الأولى لمشروع الربط بين السعودية ومصر والوصول الى 3 الاف ميغا بنهاية 2025
- 12/05/2024 “أربيان يوتوبيا ” الذراع الإعلامي لتعزيز مبادرات الرعاية الاجتماعية والتوعية الصحية.
- 12/05/2024 اللجنة التوجيهية للسوق العربية المشتركة للكهرباء تعقد اجتماعها الثاني بالمنطقة الشرقية … غدا الاثنين
26/07/2018 9:15 م
القرية في ذاكرتي
كتبها الاستاذ / لاحق آل هادي
كتبها الاستاذ / لاحق آل هادي
Permanent link to this article: https://aan-news.com/73234.html/
1 comment
1 ping
عبدالله آل زارب
26/07/2018 at 9:19 م[3] Link to this comment
مبدع بالفطره