مدينة صُـور المدينة العريقة والمرفأ التاريخي الأهم منذ آلاف السنين ، ولإسمها معاني عديدة حسب التشكيل اللغوي وسَكنها الفينيقيون حسب التاريخ المؤرخ من قِبل المُلَقّب بأبي التاريخ ومن ثم إرتحلوا إلى بلاد الشام تحديدا بـ لبنان وأسمو إحدى المدن بنفس المُسمى على سواحلها نسبة لـ صُور عُمان ، وسُمّيت بأم المآذن لكثرة المنارات بها ولا يسعني هنا إلا أن أقول أن الخالق أبدع في تصويرها على جغرافية الأرض وجعلها دُرّة الساحل الشرقي لـ عُمان .
مدينة صُـور بوابة عُمان الشرقية وملتقى الطُرق البحرية خُط إسمها عبر المحيطات وعلى شواطئ الخليج العربي وسواحل جنوب أفريقيا وقارة آسيا والهند ، حيث أنها لعِبت دوراً تاريخياً أساسياً كمنفذ ومركز حضاري للتجارة العالمية من خلال إسطولها الشراعي البحري الكبير التي سيطرت على التجارة في المياه الإقليمية المحيطة بالخليج وما وراءها .
مدينة صُـور مدينة البِناء الماهرة والعقول الهندسية النيّرة دار النواخذه تعايشت
بفِكرها الذي يعمل على التطوير مُنذ القِدم ، تُعد من أقدم المُدن والموانئ البحرية المعروفة عالمياً تتميز بصناعة السفن الشراعية من خلال أحواضها الدافئة أشهرها ( البغلة والغنجة والبُوُم والسنبوق والجلبوت وأبوبوز والبتيل والهوري والبدن والشاشة والماشوة ) وبالتجارة الحرة المنفتحة بإستيرادها وتصديرها ونقلها البحري على نطاق واسع ، ولا زالت بجرأتها المعهودة مُورّثة المهنة للأجيال القادمة ممى جعلهم في المُقدمة التجارية لا ينطفي شمعة سيطها عبر الأزمان .
مدينة صُـور مدينة الناقل البحري ليس فقط بدورها في نقل البضائع للتجارة وتبادلها ، بل كانت ناقلة وناشرة للثقافة العربية والدين الإسلامي في كل من أفريقيا وبلاد الهند والسند وهي المدينة المساندة للعاصمة العُمانية مسقط آنذاك كعمود أساسي ومركزاً تجارياً غنياً بالموارد ، حيث تبعد عنها بمسافة ١٥٠كم عبر الطرقات المُعبدة الحديثة والمطله على السواحل العمانية بالطريق المُباشر ، غير أن هناك طريق آخر يبعد بحوالي ٣٢٠كم عبر الطرقات مرتبطة بالمناطق الأخرى .
مدينة صُـور مدينة الإعتماد والإستقلال الذي رسّخ العُماني بها إعتمادة وإستقلاله في العمل والفكر والتقدم والدفاع والتوغل بشؤون المعرفة ، بل إكتسبت شُهرة التواصل والتعاون مع الخليج والقارات المجاورة منذ قرون حيث بلغ الأمر في شهرة المدينة أكثر من بقية المدن المجاورة حولها ، فهي من المُدن التي كانت تخدم وتمول مُدن عُمان الداخل بكل إحتياجاتها من ( التمور واللّبان والليمون والبن والأقمشة والأسماك والأخشاب والسَّمن والتوابل والكثير من المواد الغذائية المعيشية ) ، ومن جهة أخرى تخدم الغرب والشرق في تمركزها .
مدينة صُـور المدينة العـفـيّـة الناعمة السلِسة النقية من الآفات والبلاء تكثر بها القُرى بما يقارب عددها ١١٢ قرية وتتفارق المسافات فيما بين القرى إذ تجد كل قرية محاطة بالنخيل والزراعة وتتناسق عيونها وأفلاجها البالغ عددها ١٠٢ فلجاً وعيناً راسمةً الجماليات الطبيعية على أرضها وقُراها ، والأودية التي جعلت أرضها خصبة يعمُّ نفعها على قاطنيها ، وإن أردت أن تشاهد التاريخ البحري القديم وتُحاكي نفسك مخطاباً إيّاها بتلك الأساطير البحرية وكيف ..؟ ما عليك إلا أن تقف أمام خور البطح المليئ بالسفن وتسترجع بك الذاكرة إلى تلك الحُقبة وتناظر الجهة الأخرى حيث الحداثة بجسرها المُعلّـق الرابط بين مناطقها ، ومن أعلى جبالها الراسخة ترى الحضارة الجديدة المتجانسة مع تلك القديمة واللتان تحكيان نفس الأسطورة الصُورية بِحللٍ مختلفة .
مدينة صُـور المدينة التاريخية بمعالمها الأثرية الباقية والشاهدة على تلك القرون ومن عاصرها ” قلعة الرفصة ” هي القلعة الحارسة للبوابة الرئيسة لمدينة صُور من يزورها براً ، وبحراً تتلقاها منارة راس الميل بمنطقة العـيـجـة التي كانت مرشداً لكل زائر ودليلا لرسوّ سفنهم ، تلك المنارة الشامخة حتى عصرنا هذا والتي شهِدت على جميع السفن البحرية ، وغيرها من القلاع والحصون والأبراج والسُفن التاريخية ولكل الآثار على حده قصة شيقة تنسجم مع العصر الحديث المتجدد بموانئها وشطئانها .
ميدنة صُـور المدينة السياحية التي لا تخلو من الجماليات الطبيعية الساحره ، وبها تكثر الكهوف العجيبة النادرة المليئة بالأسرار والغرائب وقصص الخرافات والأساطير القديمة ، حيث أن بعض الكهوف تستمع بها وتستمتع لخرير الماء وكأن الينابيع تنادي لإكتشافها عن قُرب كـ ( كهف مجلس الجِـن وُيعد من أكبر الكهوف وأعظمها عالميا من ناحية مساحته وإرتفاعه وضخامته ، وكهف سـراب كلية المعروف بظُلمته الدامسة وبرودته الشديدة والرياح الباردة الخفيفة التي تخرج من أعماقه وكهف السخاخيم الذي يتسع لشخصٍ واحد فقط والغريب في أمره بأنه يُخرج هواءً ساخناً وهواءً بارداً بتفاوت فيما بينها ، وغيرها ككهف مغارة العيص وجرف منخرق ..) .
مدينة صُـور المدينة الساحرة حيث أن الشمس الدافئة تبتسم بكل يوم جديد تشرق على نيابة راس الحد ومن بعدها تصل إلى بقية بِقاع الأرض مِن عُمان وغيرها ، وقمرُها الذي يجذب السلاحف الطبيعية لتسُكن على رمالها الناعمة مطمئنة بتلك الشواطئ التي تتكاثر به ، المدينة الخلاّبة ما أن رأتها عين حتى عشِقها وعشق السُّكنة بأرضها الطيبة والتنفس من هواءها النقي المطلّ على بحر العرب وخليج عمان المُطلتان على المحيط الهندي .
الكاتب : طـارق الصابري
سلطنة عُـمـان