بين فكر و فكر تقع المسافة الأخطر على الإطلاق ، ما يتطلب مهارة العبور الآمن ، الذي يكفل محطة أخيرة ناجحة بإمتياز ، فليس سهلاً أن تعبر الفكرة بسلاسة وتصل كما هي ، مالم تتوفر الدراية والمهارة والتخطيط الذهني ودراسة الآخر دراسة مستفيضة شاملة تمكنك من معرفة أدق تفاصيل الشخصية التي ترغب في مخاطبتها أو تعديل قناعاتها أو حتى النهل مما لديها .
إن التركيبة الفكرية البشرية تركيبة أشبه ما تكون بالسهل الممتنع الذي يصعب على المستهتر ويسهل على المجتهد ، فما استهان أحد بفكر الإنسان إلا و تجرع خيبات الهزيمة وباء بخيبة الهدف ، وحتى لا يحدث مثل هذا المصير المؤلم على من يرغب في التواصل الفكري مع هذا أو ذاك أن يعتبر نفسه جزء من الآخر أي أن يسبر أعماق ذاته ويدرسها جيدًا ويرى عن كثب ماذا يُريد ليحدد هدفه بوضوح وحتى لايحمل فكرته الجيدة بفكر غير جيد ، وبالتالي يصطدم مع أول صوت قد يستهدف مالديه ليس بهدف الإطاحة به بل بهدف استقصاء عمق مالديه وهنا أخطر مرحلة قد تتعرض فيها فكرته لمواجهة جادة قد تُعجل بالنهاية قبل أن تكتمل الخطوة الأولى .
وحين نبدأ بأنفسنا وتفقد أفكارنا بتروي وحيادية ونقف افتراضيًا في موقف الطرف الآخر قبل أن نواجهه سنرى ثغراتنا بوضوح وتظهر لنا ندباتنا في وقت مبكر ما يساعدنا في تداركها حتى لا نكابر ونستمر ونحن مُثقلون بالثغرات التي قد تهوي بنا ، يقول الفيلسوف الأمريكي ويليام جيمس وهو أحد رواد علم النفس على مدى التاريخ : ” إن الإنسان يجب أن يشاهد صحة رأيه أو خطأه في تجربته العملية ، فإن جاءت هذه العملية التجريبية موافقة للفكرة كانت الفكرة الصحيحة وإلا فهي باطلة .”
حديثٌ عميق ركّز على أهمية دور التجربة العملية في منظومة الفكر و ولادة الفكرة ونمو الهدف ، وكم نحن وغيرنا بحاجة لمثل هذه الخُلاصة التي تساهم في بناء الفكر الإنساني بناء متين يصعب اختراقه وحتى تتضح لنا ملامح خارطة الطريق نحو الآخرين يجب أن نُبادرهم بما يستوعبون ولا نُثقل عليهم بما لايطيقون ، فليس عدلاً أن أصادر حقك في مشاطرتي أفكارك وليس عدلاً أن أحجب عنك مالدي من فكرة أنت قد تكون جزء هام منها ، فالإنسان يحمل نصف فكرة ويسعى للبحث عن نصفها الآخر بالتأمل أو البحث أو النقاش أو الحوار وجميع ما سبق رهين وجود شخص آخر يتناول معك ما تفكر به . لذا لا تفكروا منفردين ولا تفرضوا أفكاركم فالفكرة الجيدة تفرض نفسها والمفكر الجيد ينتهي دوره عند تقديم فكرته وطرحها ليستلذ تناول الآخرين لها وتلك هي فلسفة العظماء .
همسة :
شق الطريق إلى الفكر الآخر جزء هام من جسد النجاح