أطلقت القوات المتمرّدة في تيغراي والتي تخوض في المنطقة مواجهات مع الجيش الإثيوبي، ليل الجمعة “صواريخ” استهدفت مطارين في منطقة أمهرة، كما هدّدت السبت بمهاجمة إريتريا المجاورة ما عزز المخاوف من اتّخاذ النزاع منحى تصعيديا.
وكانت الحكومة الإثيوبية قد أعلنت أن الصواريخ تسبّبت بـ”أضرار” في محيط مطاري مدينتي بحر دار، كبرى مدن منطقة أمهرة الواقعة على بعد نحو مئتي كلم عن تيغراي، وقوندر الواقعة على بعد نحو مئة كلم شمالا.
وأفاد شهود وكالة فرانس برس أنّهم سمعوا دوي انفجارات وإطلاق نار ليلا، كما أبلغ طبيب من قوندر بمقتل عسكريين وجرح 15 آخرين، فيما لم ترد أي حصيلة على الفور من بحر دار.
وصرّح المتحدث باسم “جبهة تحرير شعب تيغراي” غيتاتشيو ريدا لقناة “ديمتسي ووياني” التلفزيونية المحلية “ألحقنا مساء الأمس (الجمعة) أضرارا كبيرة بالمكونات العسكرية لمطاري قوندر وبحر دار”، من خلال “ضربات صاروخية”.
وكان رئيس إقليم تيغراي دبرتسيون غبر ميكائيل قد أفاد فرانس برس في وقت سابق السبت أن الجبهة التي تدير المنطقة تعتبر أن “أي مطار يستخدم لمهاجمة تيغراي سيكون هدفا مشروعا”.
– “عمليات انتقامية” –
وقال المتحدّث باسم الجبهة “سواء انطلقت الهجمات من أسمرة (عاصمة إريتريا) أو بحر دار (…) ستكون هناك عمليات انتقامية، سنطلق الصواريخ على أهداف مختارة، بالإضافة إلى المطارات”.
وتابع “سنشن هجمات صاروخية لإحباط أي تحرّكات عسكرية في مصوع وأسمرة” في إشارة إلى مدينتين في إريتريا، متّهما القوات الإريترية بشن هجمات اعتبارا من الجمعة على تيغراي بناء لطلب الحكومة الإثيوبية المركزية.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتّهم فيها متمردو تيغراي إريتريا، عدوّهم اللدود، بالانخراط في النزاع. لكن التعتيم المفروض على المنطقة وتقييد تحرّكات الصحافيين يحول دون إمكان التثبّت من صحة ما تعلنه أي جهة.
والجمعة أعلنت الحكومة الإثيوبية أن قوات التمرّد في تيغراي باتت “مستنزفة”، في حين أكدت “جبهة تحرير شعب تيغراي” السبت أنها ألحقت السبت “خسائر فادحة” بالجيش الإثيوبي.
– مجزرة –
وسبق أن خاضت إثيوبيا وإريتريا معارك طاحنة بين عامي 1998 و2000، إبان سيطرة “جبهة تحرير شعب تيغراي” على القرار السياسي والأمني في أديس أبابا.
وبقي العداء سائدا بين البلدين إلى أن تولى أبيي أحمد رئاسة الحكومة الإثيوبية في العام 2018 ووقّع اتفاق سلام مع أمهرة، ما أسهم بشكل أساسي في منحه جائزة نوبل للسلام في العام 2019.
ويسود استياء كبير خاصة في صفوف عرقيتي أورومو وأمهرة — الأكبر في البلاد — تجاه “جبهة تحرير شعب تيغراي” التي تمتّعت بسلطة واسعة طوال نحو ثلاثة عقود.
وبعدما همّشها تدريجيا أبيي أحمد المنتمي إلى عرقية أورومو منذ تولى رئاسة الحكومة بعد احتجاجات شعبية، بدأت “جبهة تحرير شعب تيغراي” منذ أشهر بتحدي الحكومة المركزية. ومن بين أبرز مظاهر التحدي كان تنظيم انتخابات في منطقة تيغراي اعتبرتها أديس أبابا “غير شرعية”، وردّت عليها بحملة عسكرية تهدف إلى إعادة إرساء “الشرعية” في المنطقة.
وأعرب عدد من المراقبين عن خشيتهم من أن يجر النزاع في تيغراي إثيوبيا إلى حرب أهلية خارج السيطرة، علما أن إثيوبيا هي ثاني أكبر دول إفريقيا من حيث التعداد السكاني مع أكثر من مئة مليون نسمة، وتضم فسيفساء من الشعوب المجتمعة ضمن “الفدرالية العرقية”.
وبتبنّيها إطلاق الصواريخ، أثبتت الجبهة قدرتها على توسيع رقعة النزاع المحلي وتحويله إلى نزاع إقليمي. علما أن قائد الجيش الإثيوبي برهان جولا كان قد أكد في 5 تشرين الثاني/نوفمبر أن “الحرب لن تصل إلى وسط البلاد” و”ستنتهي” في تيغراي.
وعلى الرغم من تأكيد “جبهة تحرير شعب تيغراي” تحييد المدنيين من أبناء عرقية الأمهرة عن النزاع، إلا أن المعارك يمكن أن تعيد إحياء نزاعات محلية مزمنة تخلّلتها اشتباكات عنيفة بين الأمهرة (ثاني أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا بعد أورومو)، وأبناء تيغراي الذين يشكّلون 6% من السكان.
وتوجّه الآلاف من عناصر ميليشيات الأمهرة إلى تيغراي لمساعدة الجيش الإثيوبي في مواجهة جبهة تحرير شعب تيغراي، وفقًا للسلطات الإقليمية في أمهرة.
والخميس نددت منظمة العفو الدولية بمقتل عشرات المدنيين في “مجزرة” شهدتها منطقة تيغراي، نسبها شهود إلى قوات تدعم “جبهة تحرير شعب تيغراي” الحاكمة في الإقليم، وهو ما نفاه دبرتسيون.