سنوات ليست بالقليلة مرت على العلا بأكثر من فترة تولى فيها أكثر من محافظ القيادة الإدارية لمحافظة العلا.
لكن أهالي محافظة العلا لم يستطيعوا وجدانيا ولا من الناحية البراجماتية تجاوز مرحلة المحافظ أحمد بن عبدالله السديري التي تولى فيها قيادة محافظة العلا كمحافظ في أواخر التسعينات الميلادية إلى مابعد منتصف الألفية الثالثة.
لم يسقط اسمه من ذاكرة العلا وأهلها ولم يمر مرور الكرام على الصعيدين الرسمي والاجتماعي بل مايزال ضيف الشرف الأثير في كثير من المناسبات الاحتفالية لأهالي العلا.
وليس ببعيد عن هذا التأكيد..
أهالي العلا يذكرون جيدا حالة العزاء لثلاثة أيام في وفاة والدة محافظهم الأسبق أحمد بن عبدالله السديري الذي أقيم في قصر إبن شقيقته في العاصمة الرياض وهو أحد أصحاب السمو الملكي الأمراء وكان السديري وقتذاك ليس محافظا للعلا حيث شهد حضورا كثيفا لأهالي العلا من العلا ونسبة غالبة من أبناء العلا المقيمين في الرياض ومناطق المملكة طيلة أيام العزاء وماذاك إلا لأن سعادة السديري أحمد بن عبدالله كان ومايزال محظيا بمكانة مرموقة وأثيرة لم تكن بالتأكيد لأحد من قبله ولامن بعده.
وفي ذات الصدد أيضا لايمر في سياق هذه الحظوة اسم المهندس عبدالعالي الشيخ رئيس بلدية محافظة العلا في مرحلة المحافظ أحمد بن عبدالله السديري إلا ويذكر اسم المهندس عبدالعالي بكل الخير والثناء على ما أنجزه من أعمال بلدية وتنموية وإنشائية وترفيهية وفي شأن المسؤولية الاجتماعية ولم تكن الموارد المادية آنذاك ذات وفرة أو حتى على الأقل تسد الحاجة لأبسط المشاريع الإنشائية أوحتى على صعيد الصيانة.
ومع ذلك..
ولأن القيادي الإداري للمنظومات الحكومية الخدماتية متى ماكان مخلصا ومبدعا ومتخلصا من المزاجية المعطلة ومتوقدا الفكر قادحا لزناده في سبيل المصلحة العامة ورفاهية الناس ووجيها اجتماعيا مقبلا على الناس محتويا لهمومهم ومشاكلهم متقاطعا مع مناسباتهم الاجتماعية بأفراحها وأتراحها ومتمردا على كهنوتية المكاتب غير مرتهن لأبراج المناصب العاجية..
لابد وأن يكون فاعلا منتجا منجزا ومحظيا بقبول الناس يترك أثرا بعد عين وليس كأي أثر..بل تكون منجزاته شاخصة شاهدة كأيقونات دائمة الإشعاع وهي من يذكر سيرته العاطرة ويمجد فكره وإخلاصه وإنجازاته ويخلد ذكراه للأجيال التي تلي مرحلته ومابعدها.
وهكذا كانت في العلا مايمكن تسميتها بالمرحلة(ثنائية القطبية بين السديري والشيخ)الزاهرة بمنجزات كانت الأولى في التاريخ المدني والبلدي لمحافظة العلا من حيث الكم والكيف.
وحتى الحركة الإعلامية عام 2000 كانت ماثلة وفاعلة ومنجزة..ذلك وقد كنا 5 صحفيين بالإضافية للإذاعيين في العلا نعمل بشكل رسمي كمراسلين للصحف الكبرى والإذاعات السعودية من العلا.
وشخصيا كنت مراسلا لصحيفة الوطن مع بداية تأسيسها بطلب من رئيس التحرير آنذاك الذي حثني وشجعني على التوجه من العاصمة الرياض إلى العلا.
وأذكر أنه منذ أن وطأت قدماي العلا استدعاني السديري لزيارته في مكتبه وطلب ربما من باب الحرص أو العشم وربما من قبيل رغبته في ضبط مايظنه مسارا لمهامه الرسمية طلبا رفضته من حيث المبدأ بطبيعة الحال تماما وقطعيا وبمنتهى التهذيب والإقناع المتأدب.وقد كان الطلب يدور حول آلية وصياغة وطريقة إرسال الأخبار للصحيفة بحيث يجب أن تمر على المحافظة أولا…ولكنه أمام رفضي المتأدب احترمني كثيرا..فأحببته أكثر.
ومن نافلة القول أيضا بأن العلاقة في أواخر أيامها بين الرجلين العقلين والإرادتين(السديري والشيخ)ونتيجة لدخول بعض الوشاة والمتنفذين من أهل الأهواء والمنافع والمصالح على الخط لم تكن على مايرام بين القامتين القياديتين في العلا إبان طفرة منجزاتهما وتطامن المدائح بينهما وشيوع حالة الرضا بين رقعة واسعة من أطياف محافظة العلا ومكوناتها الاجتماعية رغم شح الحال في الموارد للوضع الاقتصادي الذي لم يكن هو الآخر على مايرام بالنسبة لكل البلد
وكأن الحال الذي لم يكن على مايرام وطفو الخلافات على السطح بينهما راهن مايمكن وصفه مجازا بمتلازمة الانقسام والفرقة و(الفراق البائن)بين كل ثنائي ناجح في عمل دائم أو مهنة طارئة.
أما اليوم وبعد أن وصلت محافظة العلا إلى ماوصلت إليه من طفرة فكرية وثقافية وتنموية شاملة مهولة رغم كونها ماتزال في البدايات على صعيد الاهتمام الرسمي من قبل القيادة السعودية وعلى وجه الخصوص من قبل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد وزير الدفاع رئيس مجلس إدارة الهيئة الملكية لمحافظة العلا ومطلق فكرة رؤية العلا بعد الأمر الملكي السامي الآمر بتكوين محافظة العلا كهيئة ملكية لتواكب تطلعات القيادة السياسية ولتتسق مع برامج وأهداف رؤية السعودية 2030
السؤال: هل ستظل محافظة العلا في شؤونها المدنية والبلدية على الصعيد النوعي القيادي للمحافظة والبلدية تحديدا ضمن قيادات نوعية تجيء وتروح دون أن تترك أثرا أثناء وبعد توليها مسؤولياتها الإدارية والتقنية.
أي تدير المحافظة على طريقة مجالس تسيير الأعمال دون أن يكون لها القرارات الاستراتيجية المستقلة الناجزة وتكون بالتالي تحت مؤشرات الأداء ومقاييس الإنجاز الذي تحاسب عليها إن أخفقت ويزجى لها الشكر إن أحسنت..أم تنفرد الهيئة الملكية كليا أو جزئيا بالقرارات الفاعلة المنجزة على كل الأصعدة..
أم سيكون على أجندة الهيئة الملكية بالتنسيق مع المنطقة الإدارية لمحافظة العلا(منطقة المدينة المنورة)قيادات نوعية رفيعة المستوى في المستقبل المنظور..والمسألة مسألة وقت ومواقيت وملائمة وموائمة بعض الظروف المكانية والزمانية؟
وصحيح بأن تكرار الكوادر وتدويرها في ذات المربع..
أو بمعنى أدق تكرير التجارب ليس بالضرورة ضمانة جودة للمنتج ونجاحات أكيدة للتجربة.
وعجلة الزمن لايمكن أن ترجع للوراء بعكس اتجاه عقارب الزمن وإن داعب الأمل بعض أهل الأماني النيرات كما تداعب الأماني مثل هذه الرجعة الارتجاعية بعض الأصوات اليوم في العلا.
وهي بلاشك أماني وآمال مختلطة ببعض الإشراقات التي تذكر الحاضر المتأمل بالماضي التليد..الشاخصة شواهده المضيئة.
لكن يظل استلهام ذلك الماضي بالزاخر من أثره وديمومة تأثيرة مطلب حضاري واستنارة فكرية في كل العصور وكل الظروف وعند كل الأمم.
ذلك وقد كان زمان الرجلين أحمد السديري محافظا للعلا والمهندس عبدالعالي الشيخ رئيسا لبلديتها زمنا استثنائيا بالنظر لشح الموارد المالية كما أسلفت وبالنظر لكونه شهد آخر أعمار العديد من كبار نخب رجال العلا وطغيان حضورهم مع رغبة الكثير من الجيل المتعلم المتطلع الخدوم للعلا وأهلها في العيش بين جنبات وادي القرى العلا الذي كان يسمى في أزمنة الترف والرفاه بشعب النعام لكثرة النعام في شعابه وأوديته.
زمن الرجلين كان كريما بالفعل ومبهجا ونافرا من انتكاسات تاريخية جهلت العلا وأهلها ردحا من الزمن لدى أقرب المناطق للعلا فكيف بالمناطق المترامية الأطراف.
زمن من ذيوع كرمه وفرط سيرته العطرة أجبر شاعرا من أردن النشاما عام 1422 وهو يقف أمام محافظ العلا السديري أحمد بن عبدالله منشدا شعرا مادحا في العلا وكرم أهلها مطلقا نبوءته بهذا الإنصاف المستحق المتحقق اليوم للعلا وأهلها :
هرمان في مصر استفاضا شهرة
ماشأن دار كلها أهرام..
ولسوف ينصفها الزمان وأهله
مهما طما فوق الزمان ركام