ظلت تكرر بين الحين و الآخر أنا أحب مصر و لم تسيطر على دموعها التي بدت و كأنها قطرات عذبة من نهر النيل ، و لم تسيطر على ذاكرتها التي سرعان ما عادت بها إلى الماضي منذ أن دوّن التاريخ تلك البلد الشامخة بأهرامها بين الصفحات و السطور ، رأت نفسها في زمن لم تُنجب فيه بعد ! و كأنها تنهل من الحضارة الفرعونية العريقة ، ثم مضى بها الزمن لتولد في مدينة المنصورة التي كبرت فيها فتاة يافعة مجبولة على حب الخير ، نشأت في منزل جدها الذي كان يلقنها دروساً في العطاء حتى اعتادت على تقديم ما تملك لمن لا يملك .. و ها هي اليوم تأخذ من كل بحر قطرة ، هي عضو المجلس الاستشاري بمؤسسة أهل مصر ، و سفيرة الغارمات بمؤسسة مصر الخير ، و هي أستاذة التقديم الاذاعي و التلفزيوني بجامعة 6 أكتوبر ، عملت في الاعلام حتى أن أصبح القلم لها كـ مايكروفون !
حيث اعتادت أن تسمع من الآخرين ( أنتِ تكتبين الكتابة المسموعة ) وقفت خلف الشاشة على مدار سنوات طويلة قدمت العديد من القضايا الهادفة التي تخص المرأة ، صدرت لها ثلاث مؤلفات أدبية : العباية ، نص حالة خاصة ، أنا و الشغالات …
إنها الإعلامية و الكاتبة المصرية حنان البهي ..
———————————————
# دعينا نبدأ من رواية العباية المثيرة للجدل ، و حدثينا كيف ولدِت هذه الرواية ؟
الرواية تعبر عن تجربتي الحية و التي جاءت من خلال حضوري لبعض الدروس أو المحاضرات الدينية ، و قد تطرقت لشخصيات حقيقية و لأحداث رأيتها بأم عيني و لكنني كنت شديدة الحرص على تغيير أسماء الشخوص ، مضيت في كتابة القصة لمدة ثلاث سنوات ، كتبتها بالعامية و من ثم نصحني أحد المتخصصين في الأدب بأن أحيلها إلى الفصحى حتى لا تُهدر !
و بالفعل هذا ما حدث و لكن حرصت على أن تكون من أوائل الروايات في الوطن العربي التي تُسرد باللغة العربية الفصحى و في المقابل تأتي الحوارات بالعامية ، و ذلك رغبة مني في أن تكون أقرب للقارئ الذي يريد أن يتطلع على هذا العالم الذي أسميته بالعالم الخفي !
# قلتِ بأن رواية العباية من وحي الحقيقة و من يعرفك جيداً سيجد بأن ثمة قواسم مشتركة بينك و بين ليلى ” بطلة الرواية ” ، هل ليلى هي حنان ؟
ليلى تشبهني ، و لكن ( أنا مش ليلى ) .. صحيح أنني مررت ببعض الأحداث التي عاشتها البطلة و لكنني لم أدوّن للقارئ سيرتي الذاتية ، أنا كباقي السيدات المصريات أو العربيات اللاتي يتمنين على الدوام بأن يتقربن من الله ، و جاء ذلك من خلال بعض الدروس أو المحاضرات الدينية مما قادني إلى التعمق في دراسة العقيدة و مصطلح الحديث و التوحيد ، كما أيقظ الإلهام بداخلي إلى أن دونت روايتي ..
# هذه الرواية طرقتِ بها أبواباً يُمنع طرقها و تجاوزت بها خطوط حمراء ، ألم تترددي لحظة قبل الشروع في كتابتها ؟
لم أتردد لحظة وكنت سعيدة جداً .. و لكنني لجأت لمحامي من الشؤون القانونية ، وقد أشار إلى ما يستوجب حذفه ، فقد حذفت العديد من الصفحات تلافياً لبعض الأمور ، فخورة بهذا العمل الأدبي و أذكر جيداً كلمات القامة الكبيرة الأستاذ مصطفى الفقي حين قال لي : العباية كتاب من أجمل الكتب التي قرأتها في آخر الخمسة عشر عام الماضية ، وقال لابد أن يحوّل لعمل درامي ..
# قيل وراء كل رجل عظيم امرأة .. ماذا عن المرأة العظيمة هل وراءها رجل ؟
وراء كل عظيم سند ، و أشكرك كونك اعتبرتيني عظيمة ، فعلاً زوجي كان ذلك السند الذي لم يتأخر لحظة في تشجيعي لإتمام روايتي و كان كلما رأني تركت الكتابة أو نويت الخروج من عزلتي كان يعيدني لها ، و يطلب مني العودة للكتابة لإكمال القصة ، مثلما كانت أشجعه في بداية حياتنا وقف بجانبي مشجعاً و داعماً دون أن أطلبه ذلك ، كما كان لابني دور حيث أختار اسم هذه القصة ، و ابنتي هي التي اختارت صورة الغلاف ..
# ماذا لو خلعنا العباءة عن ” العباية” بمعنى حدثينا عما دار خلف الكواليس ، هل فعلاً تعرضت لتهديدات ؟
حياتي واضحة و كنت أقول لمن حولي بأني أكتب رواية تتحدث عن الدروس الدينية و عن بعض الداعيات اللاتي لا يعبرن عن الصورة الصحيحة للداعيات الحقيقيات ، و بالفعل تعرضت لتهديدات من خلال الرسائل النصية و من خلال ” الجوابات ” الرسائل المكتوبة بخط اليد ، كما كنت أرى شخصيات غريبة تقف عند منزلي ، و شعرت بأن هناك من يلاحقني ، و تحدثت لمستشار قانوني ، و قال لي بأن أقوم بالرد على بعض الرسائل ، و أخبرتهم بضرورة الابتعاد عن المهاترات ( لأن أي حاجة حتحصلي سيكونوا المتهمين و المدانين ) .
أيضاً إحدى السيدات المنتميات لذلك العالم قابلتني بالتهديد أثناء كتابتي للقصة حيث قالت لي ( لو كتبتِ أي حاجه عننا تبقي مش خايفة على ولادك و على بيتك .. أنتِ عندك بنت خافي عليها ! ).
# إن أدرنا دفة الحديث إلى كتاب ” نص حالة خاصة ” ماذا ستقولين لنا عنه ؟
كتاب نص حالة خاصة عبارة عن قصة عاطفية حقيقية ، استأذنت صاحبتها بأن أكتبها ، و دعيني أقول بأنها مرفوضة ديناً و شرعاً و مجتمعاً ، و لكن واقع عاشته تلك المرأة التي قادتني لكتابة قصتها ، تدور حول سيدة ناجحة علامة في مجالها ، متزوجة و تعيش قصة حب مع رجل غير زوجها ، على الرغم من أن زوجها لم يهملها بل كان يهتم بها و بسعادتها ، و جاء سؤال في مقدمة الكتاب : ( ماهي الخيانة ، هل هي خيانة الجسد أم خيانة المشاعر ؟ ).
# ماذا تعني لكِ الكتابة ؟
الكتابة منفذ لكل فكرة تنبت في عقلي ، الكتابة ابتسامة في وقت تمنيت الابتسام فيه و لم يحدث ، دموع في وقت كنت بحاجة للبكاء فيه و لم أبكِ ، الكتابة راحة نفسية و جسدية … كلما كتبت شعرت بأني تحدثت بصوتٍ عال !
# قال وليم غاس : إذا كنت تكتب بشكل رديء سيُصبِح لك جمهور ، و إذا كنت تكتب بشكل جيد سيُصبِح لك قراء ، ما رأيك ؟
نعم أؤيد .. الكتابة الغير عميقة قد تجذب أكبر عدد من الجمهور ، و لكن الكتابة الجيدة تجذب القارئ الواعي ، المفكر ، الفاهم .. و هنا لا قيمة للكم بل للكيف ..
# الغارمات يشغلون حيزاً كبيراً من تفكيرك ، هل أشبعتِ رغبتك تجاههن و هل حققتِ المأمول ؟ من منا لم يمر بضائقة مالية ؟
يختلف التعامل مع الضائقة باختلاف الانسان ، فهناك العديد من السيدات اللاتي تستدين لحالات علاجية أو لإتمام زيجة إبنها أو غيرها من الشؤون الحياتية ، أحيانا يكون مبلغ الغارمة 2000 أو 3000 جنيه و هذا المبلغ قد يُصرف لدى بعض العوائل على مائدة غداء في مطعم فاخر أو على شراء الثياب ..
و لأنني لا أستحي من كلمة أجني منها الثواب كنت قادرة على طرق الأبواب طلباً في تسديد ديوان الغارمات ، و ذلك بعد التأكد من كافة المعلومات الخاصة بالغارمة ، و الجدير ذكراً أن الدكتور علي جمعة و رجل الخير الأول في مصر الأستاذ محسن محمود رئيس مجلس ادارة مصر الخير قاما بتعيني سفيرة للغارمات ..
# متى بدأت رحلتك مع العمل الخيري ؟
ترعرعت في منزل يقدس الأعمال الخيرية و كبرت على حب العمل التطوعي ، و اعتدت على البحث عن المؤسسات الخيرية التي تهتم بالمجتمع و أفراده ، انضممت لمؤسسة مصر الخير و كذلك لمستشفى أهل مصر ، أيضاً مؤخراً أصبحت عضو مجلس أمناء في مؤسسة انفجن مع الدكتورة شريفة ابو الفتوح المتخصصة في التغذية ، و قد أجرت دراسة جعلت مصر في مصاف الدول الكبرى كما وضعت مصر لأول مرة في خارطة البحث العلمي في كوريا هذا العام ، و تقوم الدراسة على استبدال العلاج الكيماوي لمرضى السرطان بأساليب التغذية الصحيحة ، و تم الاستعانة بمريضات من خلال تصحيح عاداتهن الخاطئة في الغذاء أملاً في السيطرة على الخلايا السرطانية ، و لله الحمد هناك مرضى تحسنت حياتهم بشكل تام .. أيضاً هناك مبادرة كن جميلاً التي ارتبطت بـ انفجن تهدف لتجميل مرضى الكانسر سواء من الناحية النفسية أو الجسدية أو الغذائية وذلك من خلال التعامل مع شركات تجميل كبيرة كانت داعمة لنا ..
# ما الأثر الذي تركه العمل الخيري على نفسك و على أسرتك؟
دون شك له أثر جميل جداً على حياتي ، هذا الأمر يجعلني مرتاحة البال و حين أخلد للنوم غالباً ما أكون قريرة العين ، أيضاً ابنتي مريم و ابني يوسف كانا يكتسبان مني و من والدهم الداعم الأول لي صفات قادتهما لمساعدة الآخرين بأعمال خيرية عديدة ..
# قدمتِ رسالتك عن طريق الصحافة ثم اتجهتِ للتلفاز ، هل الاعلام المقروء كان قاصراً أم ماذا ؟
الاعلام المرئي و المسموع يصلا لمن لا يلجأ للاعلام المقروء ، الأفراد الذين لم ينعم عَلَيْهِمْ الله بمحبة القراءة هم الذين يبحثوا عن التلفاز أكثر من غيرهم …
# برأيك هل التلفاز قادر على أن يساهم في نضوج التجربة الإعلامية ؟
برأيي التلفاز لا يساهم في نضوج التجربة الإعلامية ، فهناك العديد من الاعلاميين أو الإعلاميات على قدر قليل من العلم ، و لكن التلفاز يساعد في إيصال الرسالة بصورة أسرع ، خاصة إذا تم التطرق للموضوعات الاجتماعية .. ولكن هناك أمر يجب أخذه بعين الاعتبار ألا وهو أن الاعلام المرئي يدخل البيوت دون استئذان و يجوب الحجرات لذا يجب أن تكون الرسالة مؤثرة و هادفة و راقية ..
# حدثينا عن دراستك التي جاءت حول الطريقة الصحيحة للتنفس في مواجهة ضغوط الحياة ؟
درست الطريقة الصحيحة للتنفس ، و هناك طرق متعددة ، و قدمت بعض الدروس حول هذا الأمر و اكتشفت أن أغلبنا يتنفس بطريقة خاطئة ، هناك طرق للتنفس تساعد على التغلب على الفوبيا و الأرق و المشاعر السلبية ، أيضاً يساعد في السيطرة على الألم الجسدي أو النفسي ..
# بماذا تحلم حنان البهي ؟
أحلم بأن تكون مصر خالية من الأمراض النفسية و الجسدية ، أحلم بأن لا يكون هناك شخص مريض بالكانسر ، و أن ينتهي الفقر من العالم ، أتمنى أن لا يكون هناك إنسان أقل حظاً ..
أحلم لي و لزوجي و لأمي و لأبي و لأبنائي و لأحبتي ( بالرضا ) لأن الانسان الراضي هو الانسان السعيد ..