لم يعد الذكاء الاصطناعي ترفا تقنيا او اداة مساندة بل تحول الى قوة تغيير جذرية تعيد تشكيل مفهوم التعليم العام من جذوره ولم يعد السؤال هل سيتاثر التعليم؟ بل كيف وباي عمق وباي سرعة سيتم التاثير ؟!
بالتاكيد ومع اتساع استخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف مناحي الحياة بات من الواضح ان المدرسة بصورتها التقليدية تقف امام لحظة تحول تاريخية ..فكيف سيتم هذا التحول والاستحواذ الإجباري للذكاء الاصطناعي في التعليم بداية بالمعلم والمناهج والمدرسة ونهاية بالطالب وآلية التدريس:
اولا سيتغير دور المعلم من ناقل للمعرفة الى مهندس تعلم وموجه للابداع ومحفز على التفكير فالذكاء الاصطناعي قادر على توفير المعلومة لكن غير قادر على اشعال الفضول او اكتشاف الموهبة هنا يصبح المعلم مسؤولا عن خلق بيئة تعلم تشجع التساؤل والتجريب وتحتفي بالخطا بوصفه جزءا من عملية التعلم لا فشلا فيها.
ثانيا سيتحول المنهج الدراسي من محتوى ثابت الى تجارب تعلم ثرية تركز على الابداع والمهارات العملية لا على التلقين والحفظ سيصبح التعلم قائما على المشاريع والورش والتجارب الحية حيث يتعلم الطالب بالعمل والممارسة والاستكشاف ويتحول الصف الدراسي الى مختبر افكار ومساحة مفتوحة للابتكار.
ثالثا سيمكن الذكاء الاصطناعي من تصميم مسارات تعلم شخصية تعزز نقاط القوة الابداعية لكل طالب فبدلا من قياس الجميع بمعيار واحد سيتم اكتشاف ميول الطالب الفنية او التقنية او العلمية مبكرا وتوجيهه لتنميتها مما يسهم في بناء جيل متنوع القدرات لا نسخ متشابهة.
رابعا سيعاد تعريف مفهوم التفوق والنجاح فلن يكون الطالب المبدع هو الاكثر حفظا بل الاكثر قدرة على حل المشكلات وابتكار الحلول والعمل الجماعي وتحويل الافكار الى منتجات ملموسة المهارات العملية مثل التصميم والبرمجة وريادة الاعمال والبحث التطبيقي ستصبح جزءا اصيلا من التعليم العام لا مواد هامشية.
خامسا سيتحول التقييم من اختبارات تقيس الذاكرة الى ادوات تقيس الابداع والاداء الفعلي ستقاس قدرة الطالب على التفكير والتجريب وبناء النماذج وتقديم الافكار والدفاع عنها وهي مهارات لا يمكن للذكاء الاصطناعي ان يؤديها نيابة عن الانسان بل يمكنه فقط دعمها.
سادسا سيصبح الفضول محركا رئيسيا للتعلم بعد ان كان غالبا مقموعا في النماذج التقليدية سيشجع الطالب على طرح الاسئلة وبناء الفرضيات والبحث الذاتي وسيكون الذكاء الاصطناعي رفيقا معرفيا يوسع افق الاستكشاف لا بديلا عن عقل المتعلم.
في المحصلة فان مستقبل التعليم العام في عصر الذكاء الاصطناعي هو انتقال من تعليم يكدس المعلومات الى تعليم يصنع الانسان المبدع القادر على التعلم المستمر والتكيف والابتكار اذا احسنت الانظمة التعليمية استثمار هذه التحولات فستبني جيلا لا ينافس الالة بل يتفوق عليها بوعيه وخياله وقدرته على الخلق.
وفي الختام تقع على الوزارة مسؤولية التقييم المستمر لاثر التحول لا الاكتفاء باطلاق المبادرات يجب قياس جودة التعلم ومستوى الابداع والمهارات المكتسبة وقدرة الطلاب على الانتقال السلس للحياة الجامعية والمهنية هذا التقييم هو الضامن الحقيقي لان يكون تقليص سنوات الدراسة وتسريع التعلم خيارا ناجحا لا مخاطرة تربوية وبالتالي فإن نجاح التحول في التعليم العام ليس رهنا بالتقنية بل بالقيادة حين تمتلك الوزارة الرؤية والحوكمة وتمتلك القيادات التعليمية الشجاعة والكفاءة يصبح الذكاء الاصطناعي اداة تمكين حقيقية لبناء تعليم وطني حديث يصنع الانسان قبل الوظيفة ويبني المستقبل قبل الشهادة.

