قبل ستة وسبعين عامًا، في السابع والعشرين من أكتوبر عام 1947، هبطت أولى القوات الهندية في سريناغار. وقد مهدت هذه الخطوة، التي نُفذت تحت غطاء "وثيقة الانضمام" التي تم ترتيبها على عجل، الطريق لواحدة من أكثر المآسي ديمومة في العالم الحديث، وهي حرمان شعب كشمير من حقه في تقرير المصير.
لم يكن ذلك الحق مجرد تطلع أخلاقي غامض، بل كان التزامًا دوليًا، مُكرسًا في قراري مجلس الأمن للأمم المتحدة رقم 47 و80، وقد أيدته كل من الهند وباكستان، وأكدته القيادة الهندية آنذاك علنًا. فقد أعلن رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو، في كلمة ألقاها أمام البرلمان الهندي عام 1952، بوضوح: "لم نضم كشمير. فشعب كشمير هو من يجب أن يقرر مستقبله بنفسه". وبعد مرور أكثر من سبعة عقود، بات هذا الوعد في طي النسيان.
غالباً ما تُروى قصة كشمير على أنها نزاع حدودي بين دولتين نوويتين متجاورتين. لكنها في جوهرها مسألة عدالة ومبدأ ديمقراطي. عند تقسيم الهند البريطانية عام ١٩٤٧، كان من المتوقع أن تنضم الولايات الأميرية إما إلى الهند أو باكستان بناءً على رغبة سكانها والواقع الجغرافي. في ١٩ يوليو ١٩٤٧، أصدر خزب مؤتمر مسلمي جامو وكشمير، الذي يمثل غالبية السكان المسلمين، قراراً يؤيد الانضمام إلى باكستان.
مع ذلك، في أكتوبر من ذلك العام، دخلت القوات الهندية الولاية قبل أن يتم أي انضمام قانوني. وقد تم توقيع ما يسمى بوثيقة الانضمام المنسوبة إلى المهراجا هاري سينغ، الحاكم الهندوسي على أغلبية الشعب المسلمة، بعد أن كانت القوات الهندية موجودة بالفعل على الأراضي الكشميرية. وقد وثّق المؤرخ البريطاني أليستر لامب، في كتابه "كشمير: إرث متنازع عليه"، أن المسؤولين الهنود قد حركوا القوات قبل أي إجراء قانوني سليم. وخلص إلى أن عملية الانضمام كانت "مفبركة تحت الإكراه".
أولَت الأمم المتحدة الأمر اهتماماً فورياً، واعترفت بكشمير كإقليم متنازع عليه، ودعت إلى إجراء استفتاء لتحديد مستقبله. إلا أن هذا الاستفتاء لم يُجرَ قط.
بدلاً من الوفاء بالتزاماتها الدولية، حوّلت الهند الوادي إلى إحدى أكثر المناطق عسكرةً في العالم. يحتل أكثر من 700 ألف جندي هندي المنطقة حاليًا، أي بمعدل جندي واحد لكل عشرة مدنيين. وقد أدت عقود من حظر التجوال والاعتقالات التعسفية وانقطاع الإنترنت والعقوبات الجماعية إلى ترسيخ حالة استثنائية دائمة.
في أغسطس 2019، ألغت الهند من جانب واحد المادتين 370 و35A من دستورها، وهما آخر الأحكام القانونية المتبقية التي كانت تعترف بالوضع الخاص لكشمير وحكمها الذاتي الداخلي. وقد أدت هذه الخطوة فعلياً إلى ضم جامو وكشمير، وحرمانها من الحكم الذاتي، وفتح الباب أمام تغيير تركيبتها السكانية.
منذ ذلك الحين، تم سن قوانين جديدة للإقامة بهدف توطين غير الكشميريين في الإقليم، مما أدى إلى تغيير التوازن السكاني في انتهاك لاتفاقية جنيف الرابعة. وقد وصف مراقبون دوليون، من مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان (OHCHR) ومنظمة العفو الدولية، الوضع بأنه "تلاعب ديموغرافي منهجي".
وفي عام 2025، أقر البرلمان الهندي مشروع التعديل الدستوري رقم 130، الذي يمنح نائب الحاكم - وهو مسؤول اتحادي غير منتخب - صلاحيات واسعة لعزل أي وزير منتخب أو رئيس وزراء على أساس قضايا قانونية معلقة أو احتجازات قصيرة. وفي إقليم تُجرّم فيه المعارضة بحد ذاتها، يُبطل هذا البند فعلياً الحكم الذاتي السياسي.
والنتيجة هي ديمقراطية مجردة من معناها. تُجرى الانتخابات، ولكن ليس من أجل الاختيار، بل من أجل المظاهر فقط. المشاركة السياسية تحت الاحتلال ليست تمكيناً، بل هي مجرد تمثيل مسرحي.
وراء الصراعات الجيوسياسية تكمن مأساة إنسانية عميقة. فمذبحة جامو عام 1947، التي قُتل فيها ما يقدر بنحو 280 ألف مسلم على يد ميليشيات دوغرا الهندوسي وحزب راشتريا سوايامسيفاك سانغ (RSS)، لا تزال واحدة من أقل عمليات الإبادة الجماعية التي نوقشت في القرن العشرين. وفي العقود التي تلت ذلك، اختفى الآلاف؛ واكتُشفت مقابر جماعية في جميع أنحاء الوادي.
قام كل من معهد كشمير للعلاقات الدولية (KIIR) ومنتدى الشباب من أجل كشمير(YFK) بتوثيق هذه الانتهاكات والتعذيب والعنف الجنسي والعقاب الجماعي بموجب قوانين جائرة مثل قانون الأمن العام (PSA) وقانون السلطات الخاصة للقوات المسلحة (AFSPA). وتؤكد هذه التقارير نتائج المقررين الخاصين للأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي، الذين دعوا مرارًا وتكرارًا إلى إجراء تحقيقات مستقلة، وهي دعوات لا تزال الهند تتجاهلها.
إن هذا القمع ليس عرضيًا، بل هو ممنهج. فكل جانب من جوانب الحياة في كشمير، من التعليم إلى الصحافة، يخضع للمراقبة المشددة. تُراقب الجامعات، ويُعتقل الصحفيون، وحتى مجالس العزاء تخضع للمراقبة. والنتيجة ليست الاستقرار، بل ترسيخ الخوف بشكل مؤسسي.
على الرغم من عقود من التوثيق والتعهدات الدبلوماسية، إلا أن استجابة المجتمع الدولي كانت فاترة في أحسن الأحوال. لا تزال قرارات الأمم المتحدة سارية المفعول، ومع ذلك يتم التعامل معها كآثار تاريخية وليست صكوكًا قانونية ملزمة. أما القوى الغربية، التي تسارع إلى التذرع بحقوق الإنسان في أماكن أخرى، فغالباً ما تلتزم الصمت عند ذكر قضية كشمير، خوفاً من تعريض مبيعات الأسلحة والتجارة مع السوق الهندية الضخمة للخطر.
لهذا الصمت عواقب وخيمة. فبتقاعسها عن تطبيق قراراتها، لا تقوض الأمم المتحدة مصداقيتها فحسب، بل تقوض أيضاً فكرة النظام القائم على القواعد. لم تعد قضية كشمير صراعاً مجمداً؛ بل أصبحت بؤرة توتر نووي أشعلت أزمات متعددة بين الهند وباكستان. وكل مناوشة على طول خط المراقبة تهدد بالتصاعد إلى كارثة ذات تداعيات عالمية.
يستند موقف باكستان بشأن كشمير إلى القانون الدولي، وليس إلى أطماع توسعية. فهي تعتبر النزاع قضية عالقة من مخلفات تقسيم شبه القارة الهندية، ومسألة أخلاقية وقانونية ناجمة عن تحدي الهند لقرارات الأمم المتحدة. وتواصل إسلام آباد الدعوة إلى حل سلمي من خلال الحوار والآليات التي تشرف عليها الأمم المتحدة.
بينما غالباً ما تكون القدرات الدبلوماسية لباكستان محدودة بسبب الأزمات الإقليمية، إلا أن موقفها يبقى ثابتاً: يجب أن يقرر استفتاء شعبي مستقبل كشمير. هذا ليس مطلباً للانفصال، بل هو مطلب لتقرير المصير، وهو نفس المبدأ الذي يقوم عليه ميثاق الأمم المتحدة.
تُمثل كشمير اليوم جرحاً غائراً وتحذيراً صارخاً في آن واحد، واختباراً لمدى فعالية القانون الدولي في عصر تسود فيه المصالح الاستراتيجية. قد يميل مسار التاريخ الأخلاقي نحو العدالة، ولكن ذلك لن يتحقق إلا إذا التزمت الدول بواجباتها.
تمتلك الأمم المتحدة آليات وسوابق وسلطة معنوية، لكن ما ينقصها هو الإرادة لتطبيقها. وبينما يتحول الاهتمام العالمي من غزة إلى أوكرانيا، ومن تايوان إلى طهران، تظل أصوات ثمانية ملايين كشميري غارقة في الصمت.
لكن الصمت لا يمحو النضال. ففي كل عام، وبينما يحتفل الكشميريون بيوم 27 أكتوبر كيوم أسود، يؤكدون مجدداً أن الحق في تقرير المصير لم يُنسَ، بل تم تأجيله فحسب. إن مقاومتهم، التي امتدت لأجيال، تذكير بأن أي احتلال لا يدوم إلى الأبد، ولا يمكن دفن أي وعد إلى ما لا نهاية.
* خبير في مجال الإعلام والاتصال الاستراتيجي وباحث في العلاقات الدولية Hasilekalaam@gmail.com | LinkedIn: @tahirmawan

