أصبحت السمعة الرقمية أحد الأصول الأكثر أهمية لأي جهة، سواء كانت شركة، مؤسسة، شخصية عامة، أو حتى حكومة؛ وذلك في العصر الرقمي الذي نعيشه اليوم.. قال وارن بافيت ذات مرة: "يمكن أن يستغرق بناء السمعة 20 عاماً، وهدمها لن يتجاوز 5 دقائق فقط"، وأنا أقول: خمس دقائق قد تكون مدة طويلة في العصر الرقمي؛ مع تزايد الاعتماد على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، الذي باتت معه هذه السمعة عاملاً حاسماً في النجاح أو الفشل، لا سيما أثناء الأزمات.
وتعتبر السمعة الرقمية؛ هي الانطباع العام الذي يتكوّن عن جهة معينة من خلال المعلومات المتداولة عنها عبر الإنترنت؛ يشمل ذلك ما يُقال على وسائل التواصل الاجتماعي، والتقييمات الإلكترونية، والأخبار الرقمية، والمقالات، وتعليقات الجمهور؛ فلدى وقوع أزمة، سواء كانت مالية، أو إدارية، أو تقنية، أو حتى أزمة علاقات عامة، فإن السمعة الرقمية تكون في مهب الريح، وهنا تظهر أهميتها في سرعة الانتشار، والشفافية والمصداقية، والتواصل الفعال، والوقاية من تفاقم الأزمة.
وتبقى الجهات التي تبني سمعة رقمية قوية قبل الأزمات، يكون لديها قدرة أكبر على احتواء الأزمة، لأنها تملك مسبقاً ثقة الجمهور، ويُمنح لها "هامش خطأ" أوسع من قبل المتابعين؛ حيث أن السمعة الرقمية يمكن أن تكون درعاً يحمي الجهة أثناء العواصف، أو فتيلاً يشعل الأزمة ويحولها إلى كارثة ولذلك، من الضروري إدارتها باحترافية، من خلال مراقبة مستمرة للمحتوى الرقمي، وتفعيل فرق متخصصة في التواصل الرقمي، وتبنّي أسلوب استباقي وليس فقط ردّ فعل، واستخدام التحليلات الرقمية لفهم اتجاهات الرأي العام.
ويبقى الاستثمار في بناء وحماية السمعة الرقمية هو استثمار في استمرارية ونجاح الكيان في المستقبل؛ فمفهوم السمعة الرقمية أصبح ضرورة استراتيجية في إدارة الأزمات.. من يفشل في إدارتها يخاطر بخسائر فادحة؛ ليس فقط مادياً بل أيضاً على صعيد الثقة والمكانة،
وأصبحت منصات التواصل الاجتماعي بمثابة الساحة الرئيسية التي تنشأ فيها الأزمات الإعلامية؛ فالتفاعل السريع على هذه المنصات يمكن أن يؤدي إلى انتشار الشائعات والمعلومات غير الدقيقة بسرعة هائلة، ما يزيد من تفاقم الأزمة، ورغم تزايد منصات الإعلام الرقمي، لا يزال الإعلام التقليدي مثل الصحافة والتلفزيون يمتلك تأثيراً كبيراً.. أي خطأ إعلامي قد يؤدي إلى تسليط الضوء على القضية بشكل مكثف.
وتساهم وسائل الإعلام الرقمية في إشعال الأزمات من خلال تأثيرها العاطفي على الجمهور، إذ يمكن أن تُستخدم لتعبئة الناس وتحفيزهم على التفاعل والانخراط في النقاشات الحادة التي تزيد من تعقيد الموقف، وفي ظل هذه البيئة الرقمية التي تتميز بالتحولات السريعة والتفاعلات المستمرة، يصبح من الصعب على المؤسسات التحكم في ردود الأفعال أو إدارة الرسائل الإعلامية بشكل فعال، مما يرفع من مخاطر تفاقم الأزمات.
وتُعد منصات التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك"، و"تويتر"، و"إنستغرام"، و”تيك توك”؛ من أبرز الوسائل التي تساهم في إشعال الأزمات الإعلامية في العصر الرقمي، وتمتاز بسرعة انتشار المعلومات؛ حيث يمكن لأي شخص نشر محتوى إلى جمهور واسع في لحظات؛ فبمجرد أن يبدأ الحديث عن أزمة معينة على وسائل الإعلام الرقمية، فإن التفاعل السريع من المستخدمين، سواء عبر التعليقات أو مشاركة المحتوى، يمكن أن يؤدي إلى تضخيم الأزمة وتحويلها إلى قضية عامة؛ حيث أن هذا الانتشار السريع للأخبار، سواء كانت صحيحة أم لا، يخلق بيئة غنية بالضغوط التي تؤثر على المؤسسات.
أخيراً:
منصات التواصل الاجتماعي ليست مجرد أدوات لتبادل المعلومات؛ بل أصبحت بيئة يتشكل فيها الرأي العام ويتبلور، فيتم في هذه البيئة نشر الأخبار والتعليقات بشكل غير مركزي، مما يعني أن أي شخص يمكنه توجيه النقاشات وخلق حالة من الاحتقان حول حدث معين، وتقوم عندما تنشأ أزمة إعلامية، هذه المنصات بدور كبير في تضخيم المشكلة؛ حيث قد تتحول قضية صغيرة إلى أزمة ضخمة في وقت قصير جداً.

