حين تتلألأ أنوار الإنجاز على أرض الوطن، ندرك أن ما نعيشه ليس مجرد انتصار رياضي، بل هو مشهد من مشاهد الإيمان العميق بوحدة الكلمة وصدق الانتماء. تأهّل المنتخب السعودي إلى كأس العالم 2025 لم يأتِ من فراغ، بل هو ثمرة لسنوات من العمل والولاء، وجهدٍ اجتمع فيه قلب المواطن مع رؤية القائد، وسواعد الشباب مع حكمة الشيوخ، ودموع الفرح مع عرق الطموح. إنّه مشهد منسوج بخيوط التكاتف، يعبّر عن روح وطنٍ علّم أبناءه أن المجد لا يصنعه فرد، بل تصنعه أمة آمنت بنفسها وبحاضرها ومستقبلها.
في هذا الوطن الكبير، لا تفرّقنا المسافات، ولا تضعفنا العواصف. فكل من يعيش على ثراه يدرك أن العزّ لا يُورَّث إلا لمن يحافظ عليه بالولاء والعمل والإخلاص. لقد اجتمع أبناء المملكة ـرجالاً ونساءً، كباراً وصغاراًـ على حبٍّ واحد، هو حبّ هذا الوطن. ومع كل خطوةٍ يخطوها نحو العلو والرفعة، يزداد إيماننا بأننا نسير على دربٍ رسمه قادتنا برؤية وحكمة وعدل وحزم ومثابرة ومحبة، ونسقيه نحن بالجهد والوفاء.
إن ما نراه اليوم من نهضة في كل المجالات ـمن الرياضة إلى الاقتصاد، ومن الثقافة إلى التكنولوجياـ ما هو إلا انعكاس لتلك الروح الوطنية التي جعلت من التكاتف قيمةً لا شعاراً، ومن الوحدة سلوكاً لا خطاباً. وحين نفرح بتأهّل منتخبنا، فإننا نفرح لأننا نرى في ملامح اللاعبين صورة الوطن بأكمله؛ وطنٌ يتقدّم بخطى ثابتة نحو المستقبل، متسلحاً بالإيمان، ومتوشحاً بالعزيمة.
ولكن، وفي خضم هذا الفرح، لا بد أن نحذر من الأصوات الدخيلة التي تحاول ـ عبثاً ـ أن تشق الصفوف، وتزرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد. تلك الأصوات التي تبثّ السمّ في حديثها عن المرأة والرجل، أو الجهة والقبيلة، أو جمهورٍ أو توجه؛ وهي لا تدرك أن النسيج السعودي أقوى من أن يُمزَّق، وأن هذه الأرض قامت على الوحدة لا على الفرقة، وعلى المحبة لا على الكراهية.
إنّ الوطن الذي يقف اليوم شامخاً أمام العالم، لا يمكن أن تضعفه كلماتٌ طائشة أو محاولاتٌ خبيثة. فالمجتمع السعودي بات يدرك أن صون الوحدة ليس خياراً بل واجباً، وأن الدفاع عن الوطن لا يكون بالصراخ والجدال، بل بالوعي والرقيّ، وبالقدرة على التمييز بين من يريد الإصلاح، ومن يسعى إلى إشعال نار الفتنة.
كما يجب أن نعي أن من يتهجم على وطننا ـ كائناً من كان ـ لا يمثل إلا نفسه الدنيئة، ولا يعكس صورة بلده ولا شعبه ولا حكومته. هؤلاء لا يستحقون الردّ ولا الانشغال، لأن الدخول في صراعٍ معهم يجعل صاحب الحق شبيهاً بصاحب الفتنة، ويُطفئ نور الحق بلهيب الغضب. إن قوة الوطن لا تقاس بحدة ردوده، بل بثباته واتزانه، وبقدرته على تجاوز الضجيج ليواصل مسيرته نحو القمة.
ولأننا أبناء وطنٍ آمنٍ كريم، فإننا نعلم أن الوحدة ليست مجرد شعار نردده في المناسبات، بل هي عهدٌ يتجدد كل يوم، حين نصحو على حبّ الوطن وننام على أمانه. نحن نعيش في كنف دولة جعلت من الإنسان محور التنمية، ومن القيم أساس الرفعة، ومن التلاحم طريقاً للمستقبل.
فلنحفظ هذا التكاتف كما نحفظ أعيننا، ولنكن صفاً واحداً أمام كل من يحاول المساس بثوابتنا، دون أن نغفل عن قيمنا في الاحترام والرفق والعدل. فالوطن لا يريد من أبنائه أن يكونوا غاضبين، بل أن يكونوا واعين؛ لا أن يصرخوا في وجه الباطل، بل أن يطفئوه بالحكمة.
وها نحن اليوم، ونحن نحتفل بتأهل منتخبنا العزيز، نحتفل في الحقيقة بانتصار الروح السعودية؛ تلك الروح التي آمنت بأن القوة ليست في القدم التي تسدد، بل في القلب الذي يحب، والعقل الذي يعقل، واليد التي تبني.