.
كبرنا وهدأت فينا الضوضاء التي كانت تملأ أرواحنا كبرنا، ولم نعد نلهث خلف الجميع، ولا ننتظر من أحد أن يفهمنا كما كنا نرجو تغيّرت الوجوه التي كنا نظنها لا تفارقنا وتبدّلت الأماكن التي حملت ضحكاتنا لم يختفي الناس لكنّ النية تغيّرت، وأصبح السؤال عنك لا يأتي إلا حين تُحتاج ، لا حين تُفتقد.
بات الجوال لا يرنّ إلا لطلب وأن أغلب الرسائل تبدأ بالمصلحة اولاً وتنتهي بالصمت ، حتى اللقاءات التي كانت تملأها الضحكات صارت باهتة بلا روح بلا دفء.
وفي زحام "الواتساب" و"السناب" ازدحمت الأسماء ، وتكاثرت الوجوه لكن أين ذلك الصديق او الرفيق الذي يعرف حزنك من صوتك؟ أين من يفتقدك لأنك غبت لا لأن له حاجة بك؟
أصبحنا نختار العزلة بملء إرادتنا ننسحب من ضجيج العالم إلى صمتنا الجميل لأن الجلوس مع النفس أصبح أصدق من أي لقاءٍ عابر نحتسي قهوتنا على مهل نتأمل وجوه الأيام ونسألها: كم تغيّرنا ؟ كم خذلتنا المواقف ؟ وكم اكتشفنا أن السلام الحقيقي لا يأتي من الناس بل من الرضا في داخلنا؟
كبرنا.. نعم لكننا لم نشيخ فقط نضجنا وتعلّمنا ألا نُضيّع مشاعرنا في قلوبٍ لا تعرف قيمتها ، لم نعد نركض خلف أحد لأننا أدركنا أن من يريدك سيأتيك دون مناداة.
تعلمنا أن العزلة ليست هروبًا بل اختيار راقٍ يُعيد ترتيب الفوضى داخلنا أصبحنا نبتسم بصمت ونعرف أن بعض الغياب نعمة وبعض البُعد راحة وأن القلب لا يحتاج الزحام ليشعر بالحياة بل قليل من الصدق وكثير من الطمأنينة.
وقفه :
في النهاية .. ما عدنا نبحث عن كثرة الرفاق بل عن من تشعر معه أن الوقت يمرّ خفيفاً والحديث صادق فالحياة لم تعد تطلب أكثر من ذلك .. صدق بسيط ودفء حقيقي.